قِفَا بي كي أُودعَها قليلاً - وردة اليازجي

قِفَا بي كي أُودعَها قليلاً
قبِيلَ البين إذ أَمسَى طَويلا

رُوَيداً حيثُ أَطلب أن أَرَاها
فلا القى لرُؤيتها سَبيلا

ويُبليهَا الثَرَى والهفَ نفسي
وتغدو طيَّهُ رَسماً محيلا

وأُمسي بعدَها كلّي قلوبٌ
تذوبُ وأعينٌ تَجري سُيولا

وَهيهاتِ الوداعُ وقد أَتاهاَ
رسولُ البَينِ يخطفُهَا عَجُولا

مَضَت سَنتانِ حتى حَانَ أني
أَرَاكِ فكان نعيُكِ لي بَديلا

قَضَيتِ بغُربةٍ عني ولَكن
فؤَآدي كان معكِ بها نزيلا

يُقال لي اصبري صبراً جميلاً
وَبعدكِ لاَ أَرَى صبراً جميلا

شقيقةُ مُهجتي بل شطرَ قلبٍ
بفقدكِ قد غَدَا شطراً عَليلا

ومَن أحرَى بطول الحزن مني
وأَجرَى في الأَسَى دمعاً هَطُولا

إذا ناحَت وأَعوَلَت البَواكي
اَكون أَحقُّ مَن ابدى العَويلا

فقدتُكِ في الصِبَا كالغصنِ رطباً
تميلُ بهِ الصَبا هبَّت أَصيلا

كغصنٍ مثمرٍ لمَّا جَنَينَا
لهُ ثمراُ ذَوَى وبَغَى الذبولا

تركتِ لنا بنصفِ الشهر طفلاً
قُبَيلَ رضَاعِهِ أَمسَى ثكُولا

كشَمسٍ رافَقَت قمراً فلمَّا
غَدَا بَدراً بَغَت عنهُ أُفُولا

عَروسٌ بُدِّلَت بالموتِ بَعلاً
وسآءَ الموتُ واأَسفى الحليلا

وقَد صَارَت لها الأكفان لبساً
ولكن لا تجرُّ لها ذيولا

وغَادَرت السِليمَ سَقيمَ قلبٍ
وهاجَت في جَوانحهِ الغليلا

لئن يكُ عمرُها أَمَداً قليلاً
فَقَد نَالَت بهِ أَجراً جزيلا

وإِن تَكُ فارَقَت في مصر نيلاً
ففي العُليَا اجتَلَت نيَلاً ونيلا

هناك تمتَّعَت بنعيمِ عيشٍ
بهِ تنَسَى المَنازلَ والنَّزيلا

وأَبقتنَا بأحزانٍ لَدَيها
نعدُّ الصبرَ أَمراً مُستَحيلا

وَهَيهَاتِ التَصبُّر والتَّسلي
على أَنَّ الرَدَى أَدنى حُصولا

وَما للموتِ غيرُ الموتِ مُسلٍ
إذا أَعياكَ حزنُكَ أن يَزولا