بلادي - يوسف الخال

بلادي ضفار الخلودْ
ثراكِ ومهد الوجود
وقبر الردى ،
..
وسرٌّ براه الإله
فكان محطَّ رجاه
وكان هدى ،
..
ونعمى بوشْيِ الأَزلْ
يعود إليها الأمل
كرجع صدى ،
وكان حصون جبالْ
تموج ودنيا ظلال
وروض مدى ،
..
ونفحاً من الطيب فاحْ
وشهداً وهشَّ صباح
وهميَ ندى.
..
بلادي رفات الجدودْ
وحيث يحلّ السجود
وبذل الفدا ،
..
وحيث تفلَّت نورْ
يجوب رحاب العصور
وما بُدِّدا ،
..
فكانت إلى الفتح صُوْرْ
تشقُّ عباب البحور
وكلَّ عِدى ،
..
تمدُّ يمين الحياةْ
ربيعاً إلى الكائنات
وتجلو الصدا.
..
وكانت ربوع الشآم.
يدَ المجد أَنَّى أَقام
وأَنَّى بدا ،
..
وكانت لنا في الخطوب
مكان يسلُّ الروب
غداً فغدا ،
..
بلادٌ هنيبال قادْ
بنيها يطوف الوهاد
لسحق العدى ،
..
فصبَّ كؤوس الزَّوالْ
بروما ، وهزَّ القتال
يداً ويدا.
..
وكانت شطوط البحارْ
تفيض علينا النضار
بكفِّ الندى ،
..
فيأْوي الينا الفقيرْ
فيغنى ، ومن يستجير
ومن شُرّدا ،
..
ويطمع فينا الغريبْ
فيزحف زحفاً رهيب
بمن جَنّدا.
..
بلادي ، ويومَ العربْ
مددتِ يمين العطبْ
إلى من عدا ،
..
تقودين إثر الفتوحْ
فتوحاً وتلك الجروح
أَبت تُضمدا ،
..
فمنك أَقلَّ الشراعْ
معاويةً للصراع
وما عُوِّدا .
..
بلادي ، جبين الفخارْ
وظِلٌّ له أَين سار
وأَين غدا.
..
وقِدْماً سفحتِ الدماءْ
إلى الناس منهل ماءْ
لدفع الصدى،
..
فكنتِ شهيد الوفاءْ
يمدُّ إليك العداءْ
أَكُفَّ مُدى ،
..
غداً يستفيق الجَحودْ
علينا نهزُّ البنود
فلن يُنجَدا ،
..
فنغرسُ في كلِّ ناحْ
إِباءَةَ من يُستباح
ومن يُعتدى ،
..
وكلُّ مهبّ رياحْ
نداءٌ يسلُّ الكفاح
فلن يُغمدا.
..
غداً في الملمّ العصيبْ
إِساءَة أَمسٍ تغيب
وتمضي سُدى ،
..
فنطعن كيد الزمانْ
ونمشي ، فلن نُستهان
ونُستعبدا ،
..
ويسري إلينا الضياءْ
أَبيّاً ويأْوي المساءْ
أَعفَّ يدا.
..
غداً يستطيب البزوغْ
حِمانا ويحلو البلوغ
لنا موردا ،
..
ويندى جبين السماءْ
فيفتح كفَّ السخاءْ
بما زُوِّدا ،
..
فيخضرُّ فيكِ الذُّبولْ
ويُكسى تراب الحقول
وقد جُرِّدا .
..
بلادي ، فليسَ المحالْ
لنا غيرَ بعضِ نَوالْ
وبعضِ جَدَا :
..
يمينَك نطوي الغيومْ
ونبني مكان النجوم
لنا مُنتدى ،
..
ونلوي زنود الصّباحْ
جَناحاً يضمُّ الرياح
ويفني المدى .
..
بلادي أحبُّ نداء
الينا ، وأَحلى غناءْ
وأَشهى حِدا ،
..
نفدّيكِ يوم الونى ،
ونبنيك فوق الدُّنى
منار هدى .