تحية ليبيا لبغداد - راشد الزبير السنوسي

أهاج الشوق ذكراهُ
فطار إليك يلقاهُ

وجاءت تسبح الآمال
شوقًا في حناياه

تحن لموعد اللقيا
ففي بغداد نجواه

وحول مروجها الغنّاء
قد طافت تحاياه

فحيى الله يا بغداد
صبحًا فيك نلقاه

دعوت فطافت البشرى
على درب عشقناه

وجئنا والمنى نسعى
يباركْ سعيك الله

و حمَّلَنا الأشمّ الأخضر
الزاهي تحاياه

ففي أعماقه شوقٌ
على الأيام يرعاه

تململ في جوانبه
وهذا البوح عزّاه

ويا بغداد لم نقرئك
إلا ما حفظناه

أخي ما زال يذكرها
رياضًا كن مأواه

وعاطفةً أفضت بها
أزالت عنه شجواه

وصدت عنه ظلم اليأس
حين اليأس غشاه

يظل إذا يحدثنا
تكاد تفيض عيناه

عن الأحباب صوب الكرخ
لا ينسون ذكراه

وعند الجسر أو بالباب
عمرٌ .. كيف ينساه ؟

ويومًا جاء مهمومًا
تجهّمَ وجه دنياه

وسدت دونه الأبواب
حتى كل مسعاه

نهضت إليه باسمةً
يشد بنوك يمناه

فإنك واحة المُضنى
الذي كلت مطاياه

ويا بغداد والأحلاف
تهدم ما بنيناه

ومرتاب بجوف الليل
طول الحقد أعماه

تمادوا في مذلتنا
و نحن نرد أوّاه

و طال الليل حتى مجّ
هذا القلب بلواه

أ يجمل أن نرى وطناً
يعيق الخُلف مسعاه؟

و نحن نضاجع الأحلام
في عمر خسرناه

و نَشرق في حديث الحق
إن يوماً تلوناه

و يسلبنا ضمائرَنا
رفاه العيش و الجاه

فمن يتنكب الأخطار
هذا الحالَ يأباه

يظل لفجره يسعى
و لا تلتذ أذناه

بغير تناغم الرشاش
منتقماً لموتاه

يزغرد إذ يشق الليل
عن فجر طويناه

و ما كان الفداء الحق
إلا ما خشيناه

نمد له يداً حيرى
و يحسبنا نصرناه

فنحن نريد تحريراً
بقول قد حذقناه

فمن يُمضي إرادتنا
أفضنا عن سجاياه

و ألبسناه تاج المجد
يرفل في عطاياه

و من يمضي لوجهته
و يستوحي قضاياه

من الأنضاء في الفلوات
قد جاعوا و قد تاهوا

تُذرّي الريح خيمته
و تصلبه خطاياه

و تطحن قسوة الأحداث
قدرته و تقواه

و يُمضي الليلَ مرتقباً
يضيء العزم مسراه

و لا يرضى بغير الثار
حيث تدب رجلاه

فذلك أمره عجبٌ
و حقٌ إن منعناه

كذاك الحال يا بغداد
ننكره و نرضاه

فلا نبكي على شرف
و عز ما رعيناه

و لا نتملق الأجناس
يكفي ما أضعناه

فدرب القدس يعرفه
فدائيٌ خذلناه

دعُوه يمرّ في صمت
سيعرف أين يلقاه

له من ثأره شعَلٌ
تَلهّبُ في حناياه

و صوتٌ من بقايا الأهل
حين يمر ناداه

ليدفع عن شتيت الشمل
مهجته .. فلبّاه

و يا بغداد إذ نلقاك
ننسى ما قطعناه

فلفظ الضاد في مغناك
قد جملْت معناه

و شمس العُرْب ذوب هواك
تعطي الود أصفاه

و سحرٌ بابلي السكب
أبدع صنعَه الله

و عطرٌ تنشُق الأنسام
رقته و رياه

نعانق فيك عز العُرْب
يهوانا و نهواه

و يوصل بيننا نسبٌ
و دينٌ قد رضيناه

سلمت لعزة الإسلام
حصناً لا عدمناه