وَجِيبُ اللَوْذ - صلاح الدين الغزال

وَكَأَنَّنِي ظِلٌّ ثَقِيلْ
دَاسَنِي نَعْلُ التَّوَاكُلِ
قَبْلَ أَنْ أُولَدَ مَهْمُوماً
وَمَنْهُوكَ العَوِيلْ
تُهْتُ عَنِ الدَّرْبِ
الَّذِي لَنْ أُدْرِكَهْ
.. وَآلَمَنِي افْتِقَادُ المَوْتْ
فَكَمْ مِنْ مَرَّةٍ
أَلْقَتْ بِكَاهِلِهَا
عَلَى ظَهْرِي الأَسَى الأَيَّامْ
وَلَكِنَّي وَرَغْمَ تَبَاعُدِ ..
الأَمْوَاتِ مِنِّي
قَبْلَ إِرْسَالِي ..
سَفِيراً غَيْرَ مَرْغُوبٍ
بِهِ يَوْماً إِلَى الأَحْيَاءْ
قَدْ جَذَّ السُّدَى أَمَدِي
.. وَلَيْسَ هُنَاكَ غَيْرُ الفَاقَةِ
وَالفَجُّ مَحْظُورٌ
عَلَى المُتَلَحِّفِينَ
كَدَأْبِ أَمْثَالِي
بِثَوْبِ الفَقْرْ
مُحْدَوْدِباً ..
مِنْ غَيْرِ رَاحِلَةٍ
وَدَرْبِي نَحْوَ بَيْتِ اللهِ
يَرْجُونِي لِكَيْ ..
لاَ آلُوِ الجُهْدَ ..
السَّنَدْ
.. وَلَسْتُ بِسَابِحٍ بَارِعْ
وَأَخْشَى نَكْبَةَ الإِدْلاَجْ
قَبْلَ بُلُوغِ سَاقِيََتِي
وَغَدْرَ مُهَوِّلاَتِ البَحْرْ
وَنَبْضُ الطَّقْسِ يَا أُمِّي
كَمَا قَدْ قَالَ
عَرَّافُ اليَمَامَةِ
إنَّهُ مِثْلِي تَمَاماً
تَحْتَ نَعْلِ الصِّفْرْ
وَلَسْتُ بِصَانِعٍ مَاهِرْ
كَنُوحٍ وَالمَسَامِيرُ اكْتَوَتْ
بِتَصَحُّرٍ قَاحِلْ
وَتَأْبَى أَنْ تُطِيعَ ..
أَوَامِرِي الأَيَّامْ
وَلَيْسَ بِحَوْزَتِي
سَرْجٌ وَلاَ هَوْدَجْ
أُهَدْهِدُهُ عَلَى ضَامِرْ
وَنَاقَةُ جَارَتِي دَخَلَتْ
إِلَى المَحْظُورِ غَافِلَةً
فَجَالَ هُنَاكَ فِي الأَعْمَاقِ
سَهْمُ الغَدْرِ تِلْوَ السَّهْمْ
وَرَاحِلَتِي حِذَائِي المُهْتَرِئْ
لاَ شِسْعَ يَحْوِي أَوْ شِرَاكْ
وَالجَوْرَبُ المَخْرُومُ بِالإِبْهَامْ
.. مُتَمَنِّياً أَنْ يَنْشُدَ الحَادِي
وَتَقْذِفُنَا الأَهَازِيجُ مَعاً
مِنْ دُونِ قَافِلَةٍ هُنَاكْ
فَنَطُوفُ فِي المُقْبِلِ
حَوْلَ الكَعْبَةِ
وَنَجُولُ فِي المُدْبِرِ
سَبْعاً أُخْرَيَاتْ
دُونَمَا كَلَلٍ
لَعَلِّي يَحْتَوِينِي ..
عِنْدَ بَابِ اللهِ
إِنْ نُودِيتُ يَا أُمِّي
رِدَاءُ الإِغْتِفَارْ
.. وَلَكِنْ لاَ سَبِيلَ
يَشْرَئِبُّ لِكُلِّ ذَاكْ
فَأَزْوِدَتِي ..
شَظَافُ العَيْشِ
بِالإِمْلاَقِ أَقْفَرَهَا
وَزَاوِيَتِي الَّتِي بِالشِّعْرِ
مُخْتَالاً أُحَبِّرُهَا
غَدَتْ كُمّاً ..
يَجُوسُ بِهِ التَّنَاصْ
لِذَلِكَ مَلَّنِي القُرَّاءْ
وَاسْتَهْجَنِّيَ الغَاوُونْ
وَمَا عَادَتْ رِيَاحُ الصَّحْوِ
تَغْزُلُ بُرْدَةَ الأَنْوَاءْ
لِيَسْتَشْرِي وَجِيبُ اللَوْذْ
إِلَى رُزْنَامَتِي .. أَرِقاً
وَحِيداً مُحْبَطَ العَزْمِ
عَنِيناً ..
أَمْتَطِي وَجَمِي
مُدَلَّهَهُ
سَفِيرَ الغَوْثِ
جَوَّابَ العَنَاءْ
لَقَدْ رَحَلَتْ وَمَا وَدَّعْتُهَا
واشْتَطَّ فِي السَّفْحِ الجَوَادْ
.. مُتَحَسِّساً جُرْحاً
تُنَاوِشُهُ ..
السُّوَيْعَاتُ الشِّدَادْ
وَاسْتَأْتُ إِذْ حَالَ السِّيَاجْ
وَلَمْ يَعُدْ مِنْ دُونِكِ
يَا أُمُّ يُثْمِلُنِي
سِوَى هَذَا الشَّجَنْ
مِنْ نَبْعِ ثَدْيِّ الحُزْنِ
مَمْزُوجاً بِمِلْعَقَةِ المِحَنْ
وَأَنَا الفَتَى المَوْعُودُ
غَبْناً بِالنَّحِيبْ
أَحْفِرُ فِي ذَاكِرَتِي
بِمَعَاوِلِ الزَّمَنِ الرَّهِيبْ
لأَرَى طُفُولَتِيَ الكَئِيبَهْ
يَا حَسْرَتِي ذَهَبَتْ
وَمَا قَبَّلْتُ كَفَّيْهَا
وَقَدْ حَالَ اللِجَامْ
خَبَبٌ عَجُولْ
لِحَوَافِرِ الخَيْلِ الكَسُولَهْ
وَغِنَاءُ حَادِي الاِفْتِرَاقْ
قَدْ جَرَّنِي مِمَّا أُلاَقِيهِ
لِفُرْنِ الاحْتِرَاقْ
بِلاَ اضْطِرَامْ
سَأَسِيرُ ..
فِي دَرْبِ الجُنُونْ
وَإِنْ نَأَى حَتَّى السَّوَاءْ
وَمِنْ وَرَاءِ ..
الحُجُبِ الشَّفَّافَةِ
رَغْمَ الأَسَى أَلْمَحُهَا
وَالنَّاسُ كُلُّهُمُ لِمَا أُبْدِي
مِنَ اللَوْعَةِ عِنْدَ الفُرْقَةِ
يَتَهَامَسُونْ
.. وَحَتَّى فِي عُبَابِ البَحْرْ
عَصَايَ عِنْدَمَا أَلْقَيْتُ
يَا أُمَّاهُ خَانَتْنِي
وَأَخْشَى زَحْمَةَ الفُرَّارِ
خَوْفَ المَوْتِ عِنْدَ الكَرّ
وَلَسْتُ بِرَبِّ أَغْنَامٍ
أَهُشُّ بِهَا عَلَيْهَا
وَحَالَ اليَمُّ دُونَ الفَرّ
وَكَفِّي مِنْ بَيَاضِ الجَيْبِ
إِذْ أَخْرَجْتُهَا ..
غَسَقاً يُجَلِّلُهُ السَّوَادْ
وَلَيْسَ هُنَاكَ مِنْ بُدٍّ
لإِدْرَاكِ النَّجَاةْ
فَأَوْجَسْتُ المَخَاوِفَ ..
فِي وُجُوهِ القَوْمْ
وَلاَحَ الغَدْرُ مِنْ أَلْحَاظِهِمْ
لَمَّا التَقَى الجَمْعَانْ
وَانْبَجَسَتْ لِتَغْمُرَنِي ..
بِحَارُ الدَّمّ
وَلَيْسَ بِحَوْزَتِي زَوْرَقْ
وَأَحْلاَمِي طَوَتْهَا ..
سَاعَةَ الإِغْرَاقْ
بُعَيْدَ الدَّحْرِ وَالإِحْرَاقْ
فِي أَعْقَابِ نَزْعِ الحَادِثَاتْ
وَتَمْزِيقِي وَزَجْرِي
صَافِنَاتُ الهَمّ
وَأَيُّ مَآرِبَ اليَوْمَ
كَمَا مُوسَى تُلَبِّي
يَا عَصَايَ لِي
رَجُوتُ ..
لِقَلْبِ هَذَا الكَوْنْ
أَنَّي كُنْتُ قَيْسِيّاً
أُزِيحُ مَوَاكِبَ التَّارِيخِ
وَالتَّأْرِيقِ عَنْ سَاحِي
وَأَمْسَحُ دُونَمَا أَجْثُو
أَنِينِي قَبْلَ إِخْضَاعِي
لَعَلِّي عِنْدَهَا أُقْصِي
جِرَاحَاتِي ..
الَّتِي اجْتَاحَتْ مَلاَذِي
قَبْلَ تَدْوِينِي
شَهِيدَ الوَاجِبِ المُخْتَلّ
ثُمَّ يَتُمُّ يَا أُمَّاهْ
عَلَى الأَلْغَامِ تَأْبِينِي
كَغَيْرِي فِي ثَرَى الشُّعَرَاءْ
.. فَأَعُودُ فِي بُرْدَيَّ ثَانِيَةً
قَبْلَ الأُلَى سَبَقُوا لِيَرْثُونِي
مِنْ عَالَمِ الأَرْجَاسِ مُنْتَزِعاً
وَالنَّعْشُ فِي أَثَرِي
لِيُثْنِيَنِي
بِالسَّيْفِ قَبْراً
دُونَ شَاهِدَةٍ
قَهْراً ..
وَفَوْقَ رُفَاتِ الصَّبْرِ
أَبْكِينِي