جَمْرُ الجَلِيد - صلاح الدين الغزال

قَدْ جِئْتُ أَرْسِفُ بِالأَصْفَادِ يَحْمِلُنِي
بُؤْسِي وَقَدْ أَوْهَنَ الإِيصَادُ أَنَّاتِي

فَلَمْ أُلاَقِ لَدَى الإِيمَاضِ بَارِقَةً
يَلُوحُ مِنْهَا بَصِيصٌ عِنْدَ إِنْصَاتِي

عَلَى النَّحِيبِ بِجُرْحٍ لَنْ أُضَمِّدَهُ
أَوْجَزْتُ بِالنَّزْفِ لِلحَادِي حِكَايَاتِي

بَنَيْتُ عَرْشاً مِنَ الأَوْهَامِ مُخْتَرِقاً
جَمْرَ الجَلِيدِ عَلَى أَشْلاَءِ أَمْوَاتِي

وَجِزْتُ دَرْباً مَدَاهُ الخَوْفُ مُلْتَحِفاً
ثَوْبَ الهُمُومِ عَلَى نَعْشِ المُسَاوَاةِ

فَرَرْتُ بِالجِلْدِ لَكِنْ دُونَ شَاهِدَةٍ
مُذْ هَيَّجَ الزَّجُّ باِلأَحْيَاءِ آهَاتِي

وَصِرْتُ فِيهِ أَسِيّاً أَقْتَفِي شَجَنِي
مُحَطَّمَ النَّفْسِ مِنْ هَوْلِ المُعَانَاةِ

وَنِلْتُ بَعْدَ نَفَادِ الصَّبْرِ مُغْتَرِباً
جَوَازَ عُسْرٍ بِهِ جُبْتُ المَتَاهَاتِ

أَضَعْتُ مَأْوَايَ عِنْدَ النَّبْشِ مُهْتَرِئاً
وَالجَدْبُ أَوْهَنَ قَبْلَ الدَّفْنِ أَقْوَاتِي

فَصِرْتُ أَرْكُضُ بَعْدَ البَعْثِ مُقْتَحِماً
ثَلْجَ الجَحِيمِ لإِخْمَادِ احْتِرَاقَاتِي

أَنَا الغَرِيقُ بِشِبْرِ المَاءِ مُعْتَكِفاً
عَلَى المَرَاثِي تَلُوكُ الغَيْظَ مَأْسَاتِي

اللَيْلُ يَعْلَمُ أَنِّي نَجْلُ بَجْدَتِهِ
خُضْنَا الدَّهَالِيزَ مُذْ حَبْوِ البِدايَاتِ

عَلَى الكَفَافِ أُقَاسِي دُونَمَا عَمَلٍ
أَرْعَى التَّعَطُّلَ فِي قَفْرِ المَنَاحَاتِ

بَحْرَ الأَكَاذِيبِ أَطْوِي لَيْسَ لِي أَمَلٌ
أُسَامُ خَسْفاً وَلَمْ يُعْثَرْ عَلَى ذَاتِي

أَعُودُ مِنِّي إِلَى الإِرْهَاقِ مُكْتَئِباً
وَالدَّهْرُ يَعْدُو وَرَائِي بِالمَشَقَّاتِ

أَعِيشُ بِالبَيْضِ فِي خُمٍّ أَلُوذُ بِهِ
بَعْدَ العَرِينِ وَقَدْ شَاخَتْ دَجَاجَاتِي

كَدِيكِ جِنٍّ قَبِيحِ الصَّوْتِ أُفْزِعُهُمْ
فِي كُلِّ صُبْحٍ وَمَا أَجْدَتْ نِدَاءَاتِي

لاَ طِفْلَ يَهْتِفُ بِي بَابَا فَيُطْرِبَنِي
وَلاَ خَلِيلَ أُنَادِي فِي المُلِمَّاتِ

وَصِرْتُ أَحْيَا أَسِيرَ النَّحْسِ بَيْنَهُمُ
لاَ دَمْعَ تَحْبُو بِهِ لِلبَثِّ ثَارَاتِي

أَشْهَرْتُ سَيْفِي مُغِيراً بَعْدَمَا اكْتَهَلَتْ
تَحْتِي الجِيَادُ وَلَمْ تُغْفَرْ إِسَاءَاتِي

عِشْرُونَ عَامَاً بِجُبِّ الضَّنْكِ مُنْتَظِراً
بِأَنْ أُشَيَّعَ فِي إحْدَى الجَنَازَاتِ

كَمْ مِنْ هَجِينٍ غَزِيرِ الرَّوْثِ أَمَّلَنِي
عِنْدَ النِّزَالِ وَلَمْ تُجْدِ اسْتِغَاثَاتِي

وَكَمْ أَمِينٍ كَبِيرِ الكَّرْشِ عَاهَدَنِي
بِأَنْ أُعَيَّنَ فِي إِحْدَى القِطَاعَاتِ

أَذْوِي وَقَدْ زَفَرَ الدَّيْجُورُ مُمْتَعِضاً
مُنْذُ اسْتَلَمْتُمْ مَلَفِّي فِي المَمَرَّاتِ

مَا كُنْتُ أَحْسِبُ بِالخِذْلاَنِ نُصْرَتَهُمْ
مَنْ بَيَّتُوا النَّكْثَ لِي عِنْدَ المُلاَقَاةِ

فَإِنْ نَسِيتُمْ فِإنِّي لَنْ أُذَكِّرَكُمْ
تَذْكِيرَ مُنْتَكِسٍ مِنْ دُونِ رَايَاتِ

وَلَمْ أَلُمْكُمْ لأَنَّ المَاءَ مَقْدِمُهُ
يُلْغِي التَّيَمُّمَ رَغْماً عَنْ حَمَاقَاتِي

وَذَاكَ صَوْتِي لَعَلَّ الأَرْضَ تَرْفَعُهُ
عَنِّي إِلى اللهِ فِي أَعْلَى السَّمَاوَاتِ

إِلَيْكَ أَشْكُو هُطُولَ الجَدْبِ فِي عَدَنٍ
وَطُولَ نَحْبِي عَلَى بَابِ المُحَابَاةِ

فَجُدْ عَلَيَّ بِبَعْضِ الغَيْثِ يَنْشُلُنِي
مِمَّا أُلاَقِي لَدَى طَيِّ المَفَازَاتِ

حَتَّى أُزِيلَ فُلُولَ النَّزْفِ عَنْ بَدَنِي
مِنْ بعْدِمَا نَكَأَ الآسِي جِرَاحَاتِي

وَمَنْ سِوَاهُ إِذَا مَا اللَيْلُ دَاهَمَنَا
أَرْدَاهُ بِالصُّبْحِ وَاجْتَثَّ الأَسَى العَاتِي