عَوْدَةُ الجَوَاد - صلاح الدين الغزال
عَادَ الجَوَادُ وَقَدْ قَضَى خَيَّالُهُ
لِلسَّفْحِ يَسْبِقُ ظِلَّهُ خَوْفاً أَسَاهْ
وَدِمَاءُ صَاحِبِهِ تُغَطِّي ظَهْرَهُ
وَالهُجْنُ تَسْتَعْدِي المَوَالِيَ لاِقْتِفَاهْ
أَيْنَ الفَتَى القَيْسِيُّ هَلْ مَاتَ الَّذِي
قَدْ طَالَمَا دَكَّتْ حُصُوناً سَاعِدَاهْ
وَتَيَقَّنَ الجَمْعُ الغَفِيرُ بِأَنَّهُ
قَدْ فَارَقَتْ بِالنَّزْفِ مُهْجَتُهُ الحَيَاهْ
فَرَجَوْتُ أَنِّي قَدْ قَضَيْتُ وَلَمْ تَفُهْ
بِوَفَاتِهِ يَوْماً عَلَى الرُّكْحِ الشِّفَاهْ
قَدْ كَانَ كَالأَسَدِ المُزَمْجِرِ كَاشِحاً
كَمْ أَرْعَبَتْ أَنْيَابُهُ أَعْتَى الطُّغَاهْ
وَازْدَانَ غَيْثِيُّ الطِّبَاعِ مُجَازِفاً
لَمْ يَلْمَحُوا أَبَداً وَمِيضاً مِنْ سَنَاهْ
بِضْعٌ مِنَ النُّوقِ العِجَافِ لِمَنْ أَتَى
بِزَئِيرِهِ أَوْ شَاهَدَتْهُ مُقْلَتَاهْ
قَطَعُوا المَسَالِكَ وَالرَّوَابِيَ وَاقْتَفَوْا
آثَارَهُ عَبَثاً فَمَا أَحَدٌ رَآهْ
وَتَرَبَّصَ الأَوْغَادُ قُرْبَ عَرِينِهِ
لِلسَّمْعِ مُسْتَرِقِينَ يَخْنُقُهُمْ صَدَاهْ
فَافْتَضَّ خَتْمَ شَظِيَّةٍ عَبَرَتْ بِهِ
مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ فَمَا أَقْسَى النَّجَاهْ
وَمَضَى إِلَى أَعْلَى الجِنَانِ مُخَلَّداً
فَوَدِدْتُ كُلَّ النَّاسِ قَدْ مَاتُوا فِدَاهْ
هُوَ جَذْوَةٌ فِي كُلِّ تَلٍّ سُعِّرَتْ
بِالحِبْرِ مُمْتَزِجاً بِسَيْلٍ مِنْ دِمَاهْ
يَا أُمَّتِي جُودِي بِدَمْعٍ وَانْحَبِي
مَوْتَ الَّذِي بِالخَوْفِ لَمْ تُعْرَفْ خُطَاهْ
قَدْ كَانَ نِبْرَاساً يُشِعُّ هِدَايَةً
لِمُضَيَّعِي دَرْباً عَلَى أَعْلَى رُبَاهْ
يَا لَلْعُرُوبَةِ مَنْ سَيَمْسَحُ دَمْعَهَا
أَمَّنْ سَيَفْتَحُ بَعْدَ هَذَا الذُّلِ فَاهْ
مَا كُنْتُ أَحْسِبُ أَنَّ مَوْتاً ضَمَّهُ
غَدْرًا إِلَيْهِ وَأَنَّ قَبْراً قَدْ حَوَاهْ
وَبِأَنَّ جِرْذَانَ الرَّذِيلَةِ قَدْ شَدَتْ
جَذْلَى فَكَمْ أَعْيَاهُمُ حُرّاً بَقَاهْ
وَبِمَوْتِهِ الأُرْدُنُّ أَضْحَى وَاجِماً
وَالمَسْجِدُ الأَقْصَى يَمُوجُ بِمَا اعْتَرَاهْ
نَاحَ الرَّبِيعُ لِفَقْدِهِ فِي رَبْوَةٍ
مَحْفُوفَةٍ بِالوَجْدِ أَثْمَلَهَا شَذَاهْ
وَتَقَيَّأَ الجَبَلُ الغُنَيْمِيُّ اللَظَى
وَكَأَنَّهُ لَمْ يَفْتَقِدْ أَحَداً سِوَاهْ
وَاللَيْلُ قَدْ أَرْخَى سِتَاراً مِنْ دَمٍ
وَتَمَيَّزَتْ غَيْظاً تَجَاعِيدُ الجِبَاهْ
صَاحَتْ حُلُوقُ القَوْمِ تَنْدُبُهُ أَسَىً
لَمَّا أَتَاهَا نَعْيُهُ وَا أَحْمَدَاهْ
بَطَلٌ حَدِيدِيُّ الفُؤَادِ لَهُ صَدَىً
لَمْ يَسْبُرِ الأَوْغَادُ غَوْراً مِنْ مَدَاهْ
مَا جَزَّ نَاصِيَةً لَهُ أَحَدٌ وَلَنْ
يَقْفُوا جَوَادَ المَجْدِ مِنْ بَعْدِ انْتِهَاهْ