زائر - جمال مرسي

تقولُ القصائدْ
فتصدقُ حيناً ، و تكذبُ حيناً
تُغنِّي ، تنوحُ ،
تُسِرُّ ، تبوحُ
و كالشمسِ يحجبها عن فضائي
غيومٌ تجيئُ
و أخرى تروحُ
فيسكن جِسميَ بردُ المشاعرِ لو خاصمتني
و يملؤني دفؤها لو تلوحُ
و ليست جميعُ القصائدِ مسكونةً بالضياءِ
و لا ضَمَّخَتها عطورٌ تفوحُ
فمنها الذي كالسرابِ نسيرُ إليهِ
و نحنُ ظِماءْ ،
فنحسبُهُ نبعَ ماءْ
لنرجعَ بعدَ عناءِ الترجُّلِ في روضِ أحلامِنا للوراءْ
لكَ الله يا شعرُ كيف انخدعنا ؟
فلا أنت أطعمتنا القمحَ ،
رَوَّيتنا لبنَ الصدقِ ،
إمّا ظمئنا بيومٍ و جُعنا
و لا أنتَ يا صاحِ غادرتَ آفاقَنا في هدوءٍ
لنُعلنَ أنَّا بفقدِكَ ضِعنا .
لكَ اللهُ يا شعرُ تبقى أبياً برغمِ الجراحِ
و تحيى القصائدْ
فماذا تقولُ القصائدْ ؟
***
تقول معلقةٌ في المديحِ :
لأنتَ الشموسُ و غيرُكَ غيهبْ
و أنتَ المليكُ الذي لا يُضاهى
و لم تنجبِ الأرضُ مثلَكَ مُذ شكَّلتْها يدُ اللهِ
أنتَ السحابُ الذي يمطرُ العطرَ ،
يروي قلوبَ العبادِ
و أنت النَّدَى و الهُدَى و الكَمِيُّ و حامي الذمارِ
و تعلم ما في البحارِ
و شيخُ الطريقةِ ، سيفُ الحقيقةِ ،
ليثُ العرينِ الذي ليس يُغلب
و لو أنصفو ملكاً قد تسلَّق فوقَ رؤوسِ العبادِ
بحدِّ السيوفِ
إلى سُدة الحكمِ يُفنِي و يُرهِبْ
لما كانَ .. و أسفي .. غيرَ أرنبْ
إذا حُمَّت الحربُ يهربْ
***
تقولُ معلقةٌ في الغزلْ :
أُحبُّكِ يا نبضةً في وريدي
فأنتِ الحياةُ و أنتِ الأملْ
و أنتِ الزهورُ التي أينعت فوقَ أسفلتِ قلبي
و أنتِ أميرةُ عرشي و حبي
و عيناكِ بحرانِ من لؤلؤٍ
أموتُ إذا غبتِ عني
و أحيا على صوتِ عصفورِ قلبِكِ
حين يُغنِّي
فَعِش كيفَ شِئتَ أيا شاعرَ العشقِ
مُت كيف شئتَ ،
إذا كان أطفالنا في العراقِ يموتون جوعاً
و قصفاً و نزفا
و في بيتِ حانونَ ، في القدسِ ، في غزةِ الخيرِ
إلفٌ يغادرُ بالموتِ إلفا
و ما زلتَ في وهمِ غيِّكَ تعزف عزفا
تغازلُ عين المها و الطللْ
فيا للخجلْ
***
تحدثنا عن هجاءٍ مقيتٍ
و وصفٍ لخيلٍ
و نوقٍ
و هودجْ .
و فخرٍ بأنسابَ من وحيِ خيطٍ من الوهمٍ
تُنسجْ .
تسيرُ بنا للطلاسمِ
للرمزِ ، لللغزِ ، للغيظِ ، للقيظِ
للغارِ تدخلهُ
كي تعودَ بخفيِّ حنينٍ
و لا شيء يُبهج
***
يموتُ الهجاءُ و وصفُ الخيولِ
و فخرُ اللقيطِ
و زهوُ العبيطِ
و لغزُ الحداثةْ .
و تبقى عيونُ القصائدِ تبكي
فماذا تقول عيونُ القصائد ؟
***
تقولُ أنا دُرَّةٌ في محيطٍ عميقِ ،
فَخُض صوبيَ الموجَ ،
فُكَّ إساري
بعزمٍ وثيقِ
قَرَنفُلةٌ في رياضِ الجمالِ
أذيق الذي يستبيه وصالي
شذاً من رحيقي
أنا نجمةٌ في الفضاءِ السحيقِ
فمن طار نحوي بأجنحةٍ من خيالِ
و حلَّق في عالمي لا يُبالي
بطولِ الطريقِ
و همِّ الطريقِ
و خارطةٍ للطريقِ
سأمنحهُ من بريقي
أنا الشمسُ مهما توارت وراءَ الغيومِ
و مالت تجاهَ المغيبِ
أُشِّع الضيا في العروقِ
فمن رامني سوف أمنحه من شروقي .
أنا نسمةٌ تطرق القلبَ
تنأى بِهِ عن عذابٍ و ضيقِ
أنا نبض ثائرْ .
و أسطورة الجمع بين الضحى و المشاعر.
***
تسائلني و الدموع تفيض على وجنتيها :
ألست بشاعرْ ؟
أجيبُ :
و كُلِّي يقينٌ بقولي
أنا لم أكن ذاتَ يومٍ .. بشاعرْ
و ما كنت في روضةِ الشعرِ
إذ يستبيني
سوى محضِ زائرْ .