إشارة حمراء - جمال مرسي
نَظَرَت ، نَظَرْتُ ، فَرَقَّتِ الأَنظارُ
شَهِقَت ، شَهِقْتُ ، فَعَادَنِي التّذكَارُ
و كأنَّ صُورَتَهَا التِِّي لَمَّا تَغِب
عَنِّي ، شَرِيطٌ مَرَّ بي ، و مَنَارُ
يُرسِِي شِرَاعِيَ فَوقَ شَاطِئِ أَمسِِهَا
لِيَتُوهَ .. بَعدَ إِيابِهِ .. البَحَّارُ
هِيَ ذِي ؟ أُسَائِلُ خَافِقاً مُتَرَنِّحاً
مِن خَمرِ عَينَيهَا ، كَوَتهُ النَّارُ
هِيَ ذِي ؟ نَعَمْ ! جَاوَبتُنِي ، حَتَّى و إِنْ
وَارَى مُحَيَّاهَا البَهِيَّ خِمَارُ
فالأُفْقُ لا تُخفِي الشُّمُوسَ غُيُومُهُ
و اللَّيلُ تُبدِي حُسنَهُ الأَقمَارُ
و الرَّوضُ لا يَبقَى نَدِيّاً إِن جَفَت
بَاحَاتِهِ الأَغصَانُ و الأَزهَارُ
****
يا أَنتِ : كِدتُ أَقُولهَا ، وعيونُنا
كَادَت بِصَمتِِ حَدِيِثِهَا تَنهَارُ
و على دُنُوِّ مَسَافةٍ رُسِمَت لنا
كَادَت تَبُوحُ بِسِرِّهَا الأَعطَارُ
هَل أَنتِ نَبضُ الأَمسِ ؟ أَم بِي جِنَّةٌ
أَم كُنتُ مِن سُوُقِ الرُّؤَى أَمتَارُ ؟
هيَ أنتِ حقّاً مَن أَرَى ، أَم أَنَّنِي
فِي الوَهمِ ، أَم قَد خَانَنِي الإِبصَارُ ؟
جَنَحَت بِأَشرِعَةِ السُّؤالِ سَفِينَتِي
فَلتُنقِذِيهَا ، شَقَّهَا التَّيَّارُ
باللهِ لا تَتَمَنَّعِي ، قَد هَدَّنِي
بِالأَمسِ مِنكِ الهَجرُ و الأَسفَارُ
و اليَومَ قَد مَنَّ السَّحَابُ بِقَطرَةٍ
للشَّارِدَيْنِ ، و شَاءَت الأَقدَارُ
**
**
عَينَاكِ لِي وَطَنٌ و قَلبُكِ قِبلةٌ
لمُشَرَّدٍ مِثلِي ، و صَدرُكِ دَارُ
كَم ذَا أَوَيتُ إِلَيهِ فِي لَيلِ الأَسَى
أَغفُو ، و أَهدَابُ الجُفُونِ دِثَارُ
و مَسَحتُ فِي رُدنَيْكِ دَمعَةَ غُربَتِي
و اْرتَدتُ بَحراً ، مَوجُهُ هَدَّارُ
أَنكَرتُ كُلَّ مَوَاجِعِي إِذ ضَمَّنِي
قَلبُ الرَّبِيعِ ، و زَالَتِ الأَخطَارُ
و قَطَفتُ مِن خَدَّيكِ زَهرَةَ عَاشِقٍ
أَسكَنتُهَا قَلباً عَلَيكِ يَغَارُ
قَد كُنتُ فِي صَفحَاتِ حُبِّكِ وَاحِداً
و جَمِيعُهُم فِي صَفحَتِي أَصفَارُ
و اليَومَ تَجمَعُنَا "الإِشَارَةُ" ، والنَّوَى
فَرضٌ عَلَينَا، و "الخَرِيفُ" سِتَارُ
****
يَا أَنتِ : ثَوبِي فِي البَرِيَّةِ نَاصِعاً
يَبقَى ، فَلَم تَعلَق بِهِ الأَوْضَارُ
جُرِّعتُ كَاسَاتِ المُرَارِ ، و إِنَّنِي
رَغَم الخُطُوبِ مَثَابرٌ صَبَّارُ
ما كُنتُ أَعبَأُ بِافتِرَاءِ مُخَادِعٍ
كَعبِي عَلَيهِ ، و سَيفِيَ البَتَّارُ
إِن شِئتُ بِالشِّعرِ اْجتَثَثْتُ جُذُوُرَهُ
كَي يَهدَأَ البُركَانُ و الإِعصَارُ
لكنَّ لِي فِي هَذِهِ الدُّنيَا رُؤَىً
أَولَى ، و لَيسَ يَهُمُّنِي الأَقذَارُ
وَطنِي الَّذِي أَسكَنتُهُ فِي خَافِقِي
فَاضَت بِأَعرَاقِي لَهُ الأَنهَارُ
مَا كُنتُ أَرضَى أَن يُدَنِّسَ ثَوبَهُ
وَغدٌ، و يَنهَشَ لَحمَهُ غَدَّارُ
****
يَمتَدُّ بِي صَمتُ الكَلاَمِ ، و وِجهَتِي
مَا عُدتُ أَذكُرُهَا و أَينَ مَسَارُ
و إذِ الإِشَارَةُ قَد تَغَيَّرَ لَونُهَا
و يَمِينُهَا فِي نَاظِرَيَّ يَسَارُ
يا أنتِ لا تَتَعَجَّلِي ، مَهلاً ،
و لاتَمشِي ، فَتُطوَى خَلفَكِ الأَسرَارُ
هل كُنتِ طَيفاً جَاءَ يُؤنِسُ وَحشَتِي
بَعدَ الخَرِيفِ رَبِيعُهُ المِعطَارُ
أم كنتِ غَيثاً جاءَ يروِي تُربَتِي
من بعدِ جَدبٍ ماؤُهُ المِدرَارُ
فَتُشِيحُ مُعرِضَةً بِوَجهٍ كَالنَّدَى
و تَطِيرُ فِي أَعقَابِهَا الأَنظَارُ
و أنا المُسَمَّرُ في الإِشَارَةِ شَارِداً
مِن خَلفِيَ الشُّرطِيُّ و الإِقرَارُ