سراب - جمال مرسي

تبادلا السؤالَ و مضت فلم يعرف من هي و لم تعرف من هو

فأنشد يقول :

مَن أَنتِ يَا فَجراً تَوَضَّأَ بِالسَّنَا
مَن أَنتِ قُولِي ، كَي أُجِيبَكِ مَن أَنَا ؟

أَلقَت بِكِ الأَقدَارُ فِي دَربِي ، و مَا
أَلفَيتُ دَرباً رَاقَنِي مُذ ضَمَّنا

و كَأَنَّهُ مِن نُورِ وَجهِكِ أَشرَقَت
جَنَباتُهُ ، فَهَدَى خُطَايَ إِلَى الهَنَا

عَامَانِ مُذ كَانَ اللِّقاءُ ، و خَافِقِي
مُتَرَنِّحٌ بَينَ الصَّبَابَةِ والعَنَا

أَصحُو عَلَى شَوقٍ ، أَبِيتُ عَلَى جَوَىً
وأَشُمُّ فِي رَوضِ التَّذَكُّرِ سَوسَنَا

وأُبِيحُ لِلعَينِ اختِلاسَ طُيُوفِ مَن
زَرَعَت ، و رَاحَت بِالبِذَارِ و بالجَنَى

وعَنَادِلُ القَلبِ الشَّغُوفِ تَرَنَّحَت
مِن خَمرِ عُصفُورٍ بِثَغرِكِ دَندَنَا

و نَسَائِمُ الجَنَّاتِ فَاحَت بِالشَّذَا
فَعَرَفتُ مَن تَخِذَت رُبَاهَا مَسكَنَا

مَن أَنتِ ، قَد جَفَّ السُّؤالُ عَلَى فَمِي
و اْخضَوضَرَت فِي القَلبِ أَشجَارُ الضَّنَى

و تَأَجَّجت نَارُ التَّوَلُّهِ فِي دَمِي
مِن نَظرَةٍ قَلَبَت بِعَيْنَيَّ الدُّنَى

فَشَمَالُهَا كَجَنُوبِهَا ، و صَبَاحُهَا
كَمَسَائِهَا ، و المُستَقِيمُ المُنحَنَى

و نُوَاحُهَا كَصُدَاحِهَا ، و عَرَاؤُهَا
كَكِسَائِهَا ، والفَقرُ فِيِهَا كَالغِنَى

مَن أَنتِ قُولِي ، أَينَ بَوْصَلَةُ الهَوَى
تَهدِي سَفِينَةَ مَن لِحُبِّكِ أَذعَنَا

لَو كُنتِ خَلفَ الشَّمسِ جَئتُكِ طَائِراً
لأُرِيقَ فِي كَفَّيْكِ أَنهَارَ المُنَى

أَو كُنتِ خَلفَ البَحرِ جِئتُكِ سَابِحاً
لا المَوجُ يُثنِينِي هُنَاكَ و لا هُنَا

عَامَانِ و الدَّربُ الطَّوِيلُ يَقُودُنِي
لِلآَلِ ، مَا فَتَرَ الفُؤَادُ و مَا وَنَى

عَامَانِ أَبحَثُ فِي مَوَانِي اْلقَادِمِي..
نَ ، اْلرَّاحِلِينَ ، و كَم سَأَلتُ الأَعيُنَا

و نَظَرتُ فِي كُلِّ القُلُوبِ فَلَم أَجِدْ
لِطُيُورِ قَلبِيَ غَيرَ قَلبِكِ مَوطِنَا

عَينَاكِ غَيَّرَتَا خَرِيطَةَ عَالَمِي اْل
بَدَوِيِّ ، مُذ أَشرَقْتِ فِيهِ تَمَدَّنَا

و جَبِينُكِ المِرآَةُ يَفضَحُ لَحظَةً
دَارَت بِهَا كَأسُ التَّسَاؤُلِ بَينَنَا

و يَمِينُكِ النَّعنَاعُ مُذ لَمَسَت يَدِي
و حَرَارَةُ اللُّقيَا تُرَاوِدُ أَرعَنَا

لَوْلاكِ قَرَّت عَينُهُ بِمَنَامِهَا
و ارتَاحَ مِن أَرَقٍ عَلَيهِ تَشَيْطَنا

يا ظَبيَةً عَرَبِيَّةً لَم تَترُكِي
لِقَتِيلِ حُسنِكِ غَيرَ حُلْمٍ هَيمَنَا

و شَرَدتِ لا عُنوَانَ غَيرَ " أُنُوثَةٍ "
و سَرَابِ غَانِيَةٍ إِذَا ابتَعَدَتْ دَنَا

و قُصَاصَةٍ بَيضَاءَ نَوَّرَ فَوقَها:
" مَن أَنتَ قُل لِي كَي أُجِيبَكَ مَن أَنَا "