في خيمة الليل - جمال مرسي

أَرَقٌ ، أَرَقْ .
الليلُ يسكُنُ خَيمةً شتويَّةً
رسَمَت ملامحَها الكواكِبُ و النُّجومُ..
و ثبَّتت أَوتادَها في الأَرضِ أَرسانُ الأَرَقْ .
مُتأهِّباً للنَّومِ،
أَرخى فوق عَينِ الكونِ سِتراً أَسوَدا .
و على بِساطِ الأرضِ نامَ مُمَدَّدا .
نظَرَت إلى الأُفْقِ البعيدِ عُيونُهُ .
هوَ لا يكادُ يرى يَدَيهِ
و ليسَ يسمعُ في الفضا إلاَّ الصَّدى
أَحلامُهُ ماتَت على شَفَةِ السؤالِ
تنازَعَتها وحشةٌ،
و نُيوبُ ذئبٍ بربرِيٍّ ..
لم يزل يَطأُ الجِراحَ ، النَّهرَ ،
ألعابَ الصِّغارِ ، الوَردَ ،
آياتِ الكِتابِ ، منازِلَ الشُّرفاءِ ،
مكتبةً ..
بكُلِّ صغيرةٍ و كبيرةٍ زَخَرَت ،
و حِبراً داعَبَت قطراتُهُ وجهَ الوَرقْ .
***
أَرَقٌ ، أَرَقْ .
الليلُ يسكنُهُ الأَرَقْ
و أنا سأسكنُ خيمةَ اللَّيلِ الذي أَبصرتُهُ
يبكِي لأَوَّلِ مرَّةٍ
و لطالما صَدَرَت على ساعاتِهِ أَحكامُهُم :
هوَ ظالمٌ ،
هوَ مُظلِمٌ ،
هوَ باعِثٌ للحُزنِ فليُشنَق على بابِ الفلقْ .
أَو تُحبس الأَنسامُ عنهُ
ينُوءُ بالنَّجمَاتِ ، بالقمرِ المُنيرِ بأفْقِهِ ،
بسكُونِهِ ،
بجلالِهِ ،
بجمالِهِ ، بسَوادِهِ ،
يهوِي إِلى أَرضِ النِّفاقِ فيحترِقْ.
يا أَنتِ هيَّا نُوقدُ النِّيرانَ ،
أَضيافُ الدُّجى قد أَقبَلوا..
مِن كُلِّ فجٍّ حاملينَ جِراحَهُم ،
و وُرُوُدَهُم ،
و كُؤُوسَ لهفتِهِم إلى شهدِ اللِّقاءِ
فهيِّئِي مِن خيمةِ اللَّيلِ الوِسادَ
و عطِّرِيني مِن أَرِيجٍ ليس يعرِفُهُ سوانَا
رُبَّما لو تُهتُ عنكِ يدلُّنِي سِحرُ العَبَقْ .
***
أَرَقٌ أَرَقْ
الليلُ يُوشِكُ أَن ينامَ على ذراعِ الفَجرِ
قد ثقُلت عليهِ همومُهُ .
أَتُراهُ يتركني وحيداً ..
لا نديمَ سوى التَّذكُّرِ ..
حين يقطعُ طيفُكِ القمريُّ آفاقَ اغترابي
تاركاً لي قصةَ الحُبِّ الطفوليِّ ،
ابتسامتَكِ البريئةَ ،
لونَ عينيكِ ،
الرُّؤى ،
قاموسَ أيامِ الرعونةِ و النَّزَقْ .
***
أرَقٌ أرَقْ .
الليلُ يضحكُ لِي ،
يُودِّعنِي ،
و يمضِي حيثُ يأخذُهُ الصَّباحُ إِلى البعِيدِ
و لم أَزل أَقتاتُ عشبَ الحُزنِ
أَلتحِفُ الأَسى ،
و النومُ يأبى أَن يُصالِحَ مُقلتي .