نار و ثلج - جمال مرسي
مهداة للشاعر : عبد الرسول معله
لا يَعرِفُ الثَّلجَ مَن لَم تَكْوِهِ النَّارُ
و لا الجِوَارَ سِوَى مَن شَانَهُ الجَارُ
و لَيسَ يُبصِرُ لَونَ الصِّدقِ ذُو كَذِبٍ
و لا استَشَاطَ لِقَولِ الحَقِّ غَدَّارُ
الشَّمسُ تُشرِقُ فِي الإِصبَاحِ ، يَتبَعُهَا
إِذَا غَفَت فَوقَ صَدرِ اللَّيلِ أَقمَارُ
و الكَوْنُ أَوجَدَهُ رَبٌّ ، فَسَيَّرَهُ
أَنَّى يَشَاءُ ، و لَم تُدرِكْهُ أَبصَارُ
يَا نَافِخَ الكِيرِ : هَل عَادَلتَ نَفثَتَهُ
بِنَفحَةِ العِطرِ إِن بَثَّتهُ أَزهَارُ ؟
و هَل تَسَاوَى لَدَى الظَّمآنِ مُلتَحِفاً
رَملَ المَتَاهَةِ ، بُركَانٌ و أَنهَارُ ؟
أَعُوذُ بِاللهِ مِن شَيطَانِ قَافِيَتِي
مَا كَانَ يَصرِفُهُ وِردٌ و لا زَارُ !
خَمسُونَ شِعراً و نَارُ الشِّعرِ تَلفَحُنِي
و مَوجُ أَبيَاتِهِ فِي الصَّدرِ مَوَّارُ
قَد كَان طَوقَ نَجَاتِي حِينَ يُغرِقُنِي
هَمٌّ ، و يُؤْرِقُنِي وَهمٌ و أَفكَارُ
يَغفُو عَلَى وَرَقِي ، يُطفِي لَظَى حُرَقِي
يُثنِي عَلَى نَزَقِي ، تَزهُو بِهِ الدَّارُ
يَطِيرُ بِي عَبرَ آفَاقٍ و أَخيِلَةٍ
للنِّيلِ ، يَجمَعُنَا شَطٌّ و أَسرَارُ
فَأَرسُمُ الوَطَنَ الغَافِي عَلَى كَتِفِي
حَبِيبَةً ، حُسنُهَا لِلحُسنِ مِعيَارُ
هِيَ الأَمِيرَةُ و الدُّنيَا وَصِيفَتُهَا
هِيَ الوَحِيدَةُ و الأَترَابُ أَصفَارُ
هِيَ السَّمِيرُ ، عُيُونُ القَلبِ تَحرُسُهَا
هِيَ النَّدِيمُ ، لَهَا الدَّقَّاتُ سُمَّارُ
هِيَ الهَزَارُ إِذَا مَا غَرَّدَت ، عَجَزَتْ
عَن المُحَاكَاةِ عِيدَانٌ و أَوتَارُ
خَمسُونَ شِعراً ، و بَحرُ الشِّعرِ أَركَبُهُ
قَلبِي سَفِينَتُهُ ، و العَقلُ بَحَّارُ
كَم جَاءَ فِي وَحشَةِ اللَّيلاتِ يُؤنِسُنِي
و فِي الحَقِيبَةِ أَقلامٌ و أَسفَارُ
يَصُبُّ لِي مِن دِنَانِ الشَّوقِ خَمرَتَهُ
فَتَنتَشِي طَرَباً فِي القَلبِ أَطيَارُ
و اليَومَ أَطلُبُهُ ، يَأبَى مُنَادَمَتِي
كَأَنَّهُ تَائِبٌ أَعيَتْهُ أَوزَارُ
أَقُولُ يَا صَاحِبِي : قَد حَانَ مَوْعِدُنَا
فَهَل سَتَتْرُكُنِي فِي الوَهمِ أَحتَارُ ؟
قَد كَانَ عَهدَ وَفَاءٍ أَنتَ صَاحِبُهُ
و لَيسَ يُقبَلُ فِي الإِخلاصِ أَعذَارُ
عَبدَ الرَّسُولِ : لَقَد جَفَّ المِدَادُ ، فَخُذْ
يَا صَاحِبِي يَدَ مَن جَافَتْهُ أَشعَارُ
فَقَد عَهِدتُكَ لِلإِبداعِ جَامِعَةً
أُوُلَى مَبَادِئِها : حُبٌّ و إِيثَارُ
عِلمٌ و حِلمٌ و صَبرٌ لَيسَ يُدرِكُهُ
إلا قَوِيٌّ عَلَى الأَحمَالِ صَبَّارُ
أَقَمتَ بَيتاً ، مَعِينُ الصِّدقِ مَوْرِدُهُ
و البَيتُ دُونَ مَعِينِ الصِّدقِ يَنهَارُ
رَأَيتُ دِجلَةَ مُختَالاً بِسَاحَتِهِ
و لِلفُرَاتِ عَلَى الأَعتَابِ إِبهَارُ
نَادَى العِرَاقُ ، فَلَم تَبخَل بِقَافِيَةٍ
يَرَاعُكَ الحُرُّ مَا حُمَّ القَضَا نَارُ
ثَارَ العِرَاقُ ، فَخَارَ الظُّلمُ مُنهَزِماً
فِي دُبْرِهِ اْلخِزيُ ، فِي أَعقَابِهِ اْلعَارُ
غَنَّى العِرَاق ، فَكَان السِّلمُ أُغنِيَةً
لَهَا تَمِيلُ أَفَانِينٌ و أَزهَارُ
يَا صَاحِبَ العِلمِ : بَعضُ العِلمِ مَفسَدَةٌ
و كُلُّ عِلمِكِ للطُّلاَّبِ أَشجَارُ
يَا كَم تَفَيَّأتُ ظِلَّ الحَرفِ مُستَمِعاً
للدَّرسِ ، نَافِلَتِي شُكرٌ و إِكبَارُ
قَطَفتُ مِن رَوضَةِ الأَشعَارِ سَوْسَنَةً
أَهدِي لِمَن ذِكرُهُ فِي النَّاسِ مِعطَارُ
غداً أَمُوتُ و يَقتَاتُ الرَّدَى جَسَدِي
فَاْقرَأْ قَصِيدِيَ ،إِنَّ الشِّعرَ تَذكَارُ