ثمن الغربة - جمال مرسي

قد شفّني الوجد لو تدرينَ يا أملُ
و الدمع في مُقلتي ضاقت بهِ السبُلُ

فانسالَ كالدُّرِّ فوق الخد مكتئباً
لما رأى الصحبَ للأوطان قد رحلوا

سألتُهُ ، و رياح الشوقِ تعصفُ بي
ماذا دهاكَ ، أبعد الشيبِ تنهملُ ؟

أجابني : و متى يا صاحِ تُهرقني
و قد أصابكَ جُرحٌ ليس يندملُ

أليس في غربةٍ جُرِّعتَ قسوتها
دهراً طويلاً إذا ما قستها ثِِقَلُ؟

و في فراقِ حبيبٍ قد حُرِمتَ بِهِ
طعمَ الكرى و الهنا يا صاحبي مللُ ؟

كلٌّ طوى ليلَهُ و اغتال غربتهُ
و أنت لا زلتَ بالدينارِ تنشغلُ

أغراك كسبٌ له بالبعد عن وطنٍ
عشرينَ حوْلاً ، طواك السهلُ و الجبلُ

قلتُ اصمتي يا دموع العين و ارتدعي
فقد دها القلبَ من تثريبكِ الكللُ

أما علمتِِ و أنتِ النارُ في كبدي
كيف اشتياقي لأرضِ النيلِ مشتعلُ ؟

مصرُ التي قد ثوت في خافقي و دمي
من ذا ينازعني فيها و يحتملُ ؟

لا المالُ يا أدمعي يُغني و وفرتُهُ
عن ذرةٍ من ثراها منهُ أكتحِلُ

كلا و لا الذهبُ البراقُ يسلبني
عقلي ، و إن زاغتِ الأبصارُ و المُقَلُ

و ما الدانوبُ و نهر السينِ من نَهَرٍ
ينسابُ في أرضها شلالُهُ العسلُ

و الشمسُ ما الشمسُ إلا من مشارقها
إني بكأسِ ضحاها شاربٌ ثَمِلُ

و البدرُ قد زادهُ أنوارُها أَلَقاً
فمن محاسنها يزهو و يكتملُ

إن حَمْلقَتْ عينُهُ في وجهها عَرَضاً
أصابَهُ في عُلاهُ الخسفُ و الخَجَلُ

و أين مني أذان الفجرِ، يرفعهُ
في أزهرِ الخيرِ صوتٌ خاشعٌ وَجِلُ

و من إذا جفَّ نبعُ الشعرِ أو نضبت
بحورُهُ ، أو عراهُ الزيفُ و الخللُ

يُلقي لنا طوق إنقاذٍ بأمسيةٍ
في صيفِ مصرَ بهِا الأشعارُ تُرتجَلُ

فيرتوي القلبُ من شعرٍ و من زَجَلٍ
و يسلبُ الوافرُ الألبابَ و الرَمَلُ

و تسكبُ اللحنَ في الآذانِ صادحةٌ
في الخلقِ ليس لها نِدٌّ و لا مَثَلُ

يا أيها الدمعُ أمسكْ عن مُعاتَبَتي
فليس لي عن هوى محبوبتي حِوَل

ُ

إن غبتُ عنها ، فإن الشوقَ يدفعني
لها ، و من غربتي في النيلِ أغتسلُ

أُطهرُ الروحَ من ذنبِ اغترابي ، و من
ليلٍ طوتني بِهِ الأمصارُ و الدولُ