حين زارني طيف أمي - جمال مرسي

أيا طيفَ أُمِّي ، جُلْ بذهني وخاطري
فَجَدِّدْ شبابَ العُمرِ وابعثْ مشاعري

أتوقُ إلى الصدرِ الحنونِ يضُمُّني
طويلاً ، فهل يا طيفُ أنت بزائري ؟

مضى من سنين الدمعِ عمرٌ ، ولم يزلْ
فؤادي بِهِ يسخو ، و إنْ لم يُجاهِرِ

لَهُ كاضطرابِ البحرِ موجٌ مشابِهٌ
و في الجودِ و الإغداقِ سحرُ المواطِرِ

و في قوْلةِ الحقِّ المبينِ لهُ العُلا
فلم يخشَ يا أُمَّاهُ بطشَةَ جائِرِ

و لي في فؤادي يا حياتي شمائلٌ
أغُضُّ بها عن حُرمةِ اللهِ ناظري

و لي فيهِ إحساسٌ يجيشُ صبابةً
و أزهارُ بستانٍ ، و رِقَّةُ شاعرِ

ولي قلبُ مُشتاقٍ يذوبُ ويكتوي
عفيفٌ فلم يخضعْ لفُحشٍ و فاجِرِ

قويٌّ على كلِّ الخطوبِ مُثابرٌ
و ليسَ على خطبِ الفراقِ بصابرِ

فيا طيفَ أُمِّي عُدْ فإنِّي و وحدتي
سهرنا ، و في الأعماقِ لوعةُ حائِرِ

نَعُدُّ ثوانينا و نرنو لغفوةٍ
يعودُ بها الحُلْمُ القديمُ لحاضري

فإنِّي بلا حُلْمٍ كنجمٍ بلا فضا
و إنِّي بلا حُبٍّ كصخرِ المحاجِرِ

و يا وجهَ أمِّي دعْ يدي تلمسُ الذُّرا
و تسعى إلي العلياءِ سعياً كطائرِ

و دعني أيا نورَ الصباحِ بوجهِها
أضيئُ الدياجي ، بل و أجلو بصائري

و زدْني إلى ما شاءَ ربِّي مغانماً
من الطهرِ و الأخلاقِ زاد المسافِرِ

فإنِّي بأخلاقي على الخلقِ سائِدٌ
و ما سُدْتُهُمْ بالمالِ أو بالجواهِرِ

تعلَّمْتُ حُسْنَ الظنِّ منكَ و فطنتي
فما كُنتُ خوّاناً ، و لستُ بغادِرِ

و لكنْ ذئابُ الليلِ غرْثى ، تربَّصَتْ
بلحمي و أعصابي إذا لم أُحاذِرِ

و من لم يكُنْ مثلي يذودُ بمخلبٍ
قويٍّ ، فما يُغنيهِ طولُ الأظافِرِ

و منْ لم يكُنْ في الحقِّ صوْتاً مُدَوِّياً
تأذّى بأصواتٍ لأوهى الحناجِرِ

و أحرى بمن كان البيانُ خصيمَهُ
عزوفٌ عن الفتوى و هجرُ المنابِرِ

فيا طيفَ أمي عُدْ كما كُنْتَ ناضراً
و لا تنزَعِجْ ممّا رأيتَ بحاضري

فهذا هو القرنُ الجديدُ و عالمٌ
يتيهُ بأسيافِ الهمومِ البواتِرِ

حروبٌ لها الإنسانُ طُعمٌ و مِشعَلٌ
و نارٌ إذا ما أُضْرِمَتْ لم تُغادِرِ

و ظُلمٌ يشيبُ الرأسُ منهُ و ينحني
يذوقُ بِهِ الإنسانُ جامَ الفواقِرِ

و جوعٌ أحالَ الطفلَ جِلْداً و أعظُماً
تداعت ، فأين العدلُ ، قُلْ يا مُناظِري

و هذا يهوديٌّ يعيثُ بظُلْمِهِ
فساداً ، وساحُ القُدسِ ناءَتْ بفاجِرِ

و قومي ، بنو الإسلامِ صارت سيوفُهُمْ
رموزاً على الحيطانِ ، طيَّ الدفاتِرِ

لهذا أنا يا طيفَ أُمِّي بأدمعي
حزينٌ ، وهَمِّي فاقَ كلَّ خواطِري

فإن زُرْتَني ، شرَّفْتَ يا خيرَ زائِرٍ
أتى بالشذا والعطرِ من خيرِ زائِرِ

و إن تهجرِ الأحلامَ عفواً ، فإنني
على العهدِ ، لن أنسى وإن كُنتَ هاجِري

فكُن لي وربِّ البيتِ عوْناً بغُربتي
و كُن بعدَ ربِّ البيتِ حِصني و ناصري