أين الوفاء - جمال مرسي

أَيْنَ الوفا ؟ قَطَّعتُ حَبلَ رَجَائِي
و هَلِ اختَفَى مِن هَذِهِ الغَبراءِ ؟

أينَ الجُذورُ الضَّارِباتُ أَصَالَةً
في عُمقِ أَرضٍ ضُمِّخَت بِرِياءِ ؟

لا زِلْتُ أُهرِقُهَا دُمُوعاً مُرَّةً
و أنا الذي لم أَستَكِن لِبُكاءِ

لكنَّها الأيامُ تُبدي للورى
ما يَستَثِيرُ حَفِيظَةَ العُقَلاءِ

جَرَّبتُهَا ، فَرَأَيتُ ناساً في الثرى
منها ،و ناساً في رُبا الجوزاءِ

دَالت ، فلا فِرعَونُ خلَّد نفسَهُ
كلا و لا قَارُونُ في الأحياءِ

لم يَبقَ إلا وَجهُ مَن سَمَكَ العُلا
و لَهُ تذلُّ بيارقُ العُظَماءِ

يا غافلاً ، لا تَأمَنَن دُنيا بَنَت
في كُلِّ ضاحيةٍ صُروحَ شقاءِ

شَغَلَت مُحبِّيها ، فَذاكَ لثروةٍ
يَسعى ، و ذاكَ لشُهرةٍ وعلاءِ

و على مَسَارِحِها لَهَى ذو شهوةٍ
ما بين كأسٍ أُترِعَت و نساءِ

و العاقلُ الفَطِنُ الذي لم تُثنِهِ
عَن هِمَّةِ الأحرارِ و النُّبَلاءِ

إن راودتهُ بحُسنِهَا عن نفسهِ
لم يُفتَتَن بجمالِها الوضَّاءِ

جَعَلَ العفافَ إذا ابتلتهُ رِداءَهُ
أنعم بِهِ من حُلَّةٍ و رداءِِ

حدَّقتُ في الدُّنيا فَلَم أَلمَح بها
ما يُسْكِنُ الأفراحَ عينَ الرائي

و بذلتُ من جَهدي لأُثبتَ أنني
أَخطَأتُ في ظَنِّي و في آرائي

فَوَجَدتُُ مِن أُختِ الزوالِ إجابةً
تُدمي القلوبَ ، تطيحُ بالحكماءِ

الأصدقاءُ كأنَّما أَودَت بِهِم
رِيحُ الغُرورِ ، و قبضةُ الخُيَلاءِ

كُلٌّ يُحدِّثُ نفسَهُ عن نفسِهِ
أن ليسَ قُدَّامِي و ليسَ ورائي

يا للصديقِ ، سِهامُهُ إن صُوِّبَت
سَكَنَت من الخٍلاّنِ في الأحشاءِ

ما أصعبَ الغدرَ المقيتَ على امرئٍ
ظَنَّ الحياةَ الروضَ بالرُّفَقاءِ

فيجيئهُ موتٌ يُقَوِّضُ حُلمَهُ
مِن خلفِهِ بخناجرِ الأهواءِ

يا صاحبيَّ ترفَّقا بي ، إنِّني
مِمَّا بُليِتُ بِهِ لفي ضَرَّاءِ

ذهبَ الوفا ، حتى كأنَّ وجودَهُ
ضَربٌ من الأوهامِ كالعنقاءِِ

ما هذه الدنيا ؟ أدارُ تناحرٍ
يُسعى لخِطبةِ وُدِّها بِدِماءِ ؟

أم أنها سُوقٌ لبيعِ مبادئٍٍ فيها
ببخسٍ للورى و شِراءِ ؟

آمنتُ باللهِ الذي دانت لَهُ
كُلُّ الدُّنا ، و بَسَطتُ كفَّ رجائي

لو لم يَكُن قلبي يُشِعُّ بنورِهِ
لَكَرِهتُ في هذي الحياةِ بقائي