شَهد و سُهد - جمال مرسي
صَبَاحُكِ الشَّهدُ إلا أَنَّكِ الأحلى
و شَمسُهُ الأَوجُ إلا أَنَّكِ الأَعْلى
و وَجهُهُ النُّورُ إِن تُشرِقْ مَفَاتِنُهُ
لَكِنَّ وَجهَكِ فِي عَيْنِي هُوَ الأجْلَى
إنْ كانَ للصُّبحِ أَجفَانٌ تُكَحِّلُها
يَدُ الشُّمُوسِ ، فَأَنتِ الأَعيُنُ الكَحْلَى
أو كانَ للعِطرِ أَزهَارٌ تَؤَصِّلُهُ
فَيَاسَمِينُكِ كَانَ النَّبعَ و الأَصْلا
الدُّرُّ غَالٍ ، نَفِيسٌ عِندَ صَائِغِهِ
أَمَّا أنا ، فَأَرَاكِ الدُّرَّةَ الأَغْلى
أَمِيرَةَ القَلبِ ، لم يُسعِدْ إمارَتَه
مِن قَبلُ أو يُرضِهِ إلاّكِ يا ليْلى
مُنذُ التَقَيْنَا ، و دِفءٌ مِنكِ يَغمُرُنِي
كَأنَّهُ السَّيلُ ، لَم أَعرِفْ لهُ مِثْلا
عُصفُورُ ثَغرِكِ إِن غَنَّى عَلَى فَنَنِي
رَأَيْتُ نَفسِيَ مِن ألحَانِهِ جَذْلى
و إِنْ يَضِنَّ ، فَقَد أَشقَى بِلا سَبَبٍ
و مَا عَهِدتُ بِهِ الإِمسَاكَ و البُخْلا
قُولِي أُحِبُّكَ مَا أحلى مَخَارِجهَا
مِن ثَغرِ فَاتِنَتِي اْلوَسنَانَةِ الكَسْلى
قُولِي أُحِبُّكَ ، آهٍ لو يَبُوحُ ِبَها
فَمٌ كَمَا الكَرَزِ النِّيلِيِّ بَل أَحْلى
تَحُطُّ مِثلَ طُيُورِ الشِّعرِ في لُغَتي
فَتُصبِحَ الرَّوضَةَ الغَنَّاءَ و السَّهْلا
و يَرتَوي القلبُ مِن أَصدَاءِ نَغْمَتِها
فَيُنبِتَ الوَردَ و النَّعنَاعَ و الفُلاّ
يا يَاسَمِينَةَ أَمسِي ، يا رَبيعَ غَدي
ما كُنتِ إلا المُنَى و الصَّحْبَ والأهْلا
فَهَل سَأَعشَقُ بَعدَ النَّهرِ رَافِدَهُ
و نَهرُكِ العَذبُ لا يَفنَى و لا يَبْلى
كم سَافَرَت فِيهِ يا لَيلايَ أَشرِعَتِي
و كم عَلى شَطِّهِ قَد حَطَّتِ الرحْلا
و كم غَرَقْتُ بِعَينٍ ، دَمعُها عَسَلٌ
لَو لامَسَ الشَّوكَ رَقَّ الشَّوكُ و اْخضَلاّ
سُبحَانَ مَن صَبَّ كُلَّ الحُسنِ فِي امرَأةٍ
و قَالَ كُونِي ، فَكُنتِ المَرأَةَ المُثْلى
و كُنتِ أصدَقَ ما في الشِّعرِ من لُغَةٍ
و كُنتِ أجملَ ما في صِدقِهِ فِعْلا
و كُنتِ لِي وَطَناً ما غَابَ عن خَلَدي
مَهمَا تَغَرَّبتُ ظَلَّ الخيرَ و النُّبْلا
أَغَرَّكِ الحُسنُ أم إِطرَاءُ مُفتَتَنٍ
قَد لامَسَ السُّحْبَ إذ أَسعَدْتِهِ وَصْلا
أطْعَمتِهِ الشَّهدَ بعدَ السُّهدِ ، فابتَسَمَت
لَهُ الحياةُ ، و كانت تشهَرُ النَّصْلا
بِالأَمسِ أَحيَيْتِهِ مِن بعدِ مِقتَلِهِ
و اليَومَ جَرَّعْتِهِ مِن صَدِّكِ القَتْلا