سندباد الشعر - جمال مرسي
(إلى أستاذي الشاعر العربي الكبير : محمد محمد الشهاوي في ذكرى ميلاده السبعين)
سَبعُونَ شَمساً ، نُورُهُنَّ مِدَادُ
و مِدَادُهُنَّ فُؤَادُكَ الوَقَّادُ
سَبعُونَ شَمساً فِي الجَوَانِحِ أَشرَقَت
فِي كُلِّ شَمسٍ أُمَّةٌ و بِلادُ
فَهُنا تَنَامُ عَلَى ذِرَاعِكَ غَزَّةٌ
و بِحِضنِ قَلبِكَ تَحتَمِي بَغدَادُ
و هُنَا الكِنانةُ خَبَّأَت أَحزَانَها
فِي مُقلَتَيكَ ، فَهَلَّتِ الأَعيَادُ
بَيرُوتُ حِينَ ضَمَمتَهَا بِمَحَبَّةٍ
فَكَأَنَّ صَدرَكَ بُردَةٌ و وِسَادُ
و القُدسُ يَغفُو فِي شُعُورِكَ حُلمُهَا
وعُيُونُ شِعرِكَ دمعةٌ و سُهادُ
يا ابنَ العُرُوبَةِ أَنت فَارِسُ ضَادِهَا
و عَلَى الرِّيَادَةِ تَشهَدُ الروَّادُ
تَسقِي الحَنَانَ بَنَاتَ فِكرِكَ ، مِثلَمَا
يُسقَى بِعَطفِ يَمِينِكَ الأَولادُ
" عَينُ الحَياة " ، و أنتَ طَلْعُ نَخِيلِهَا
أَضحَت مَزَاراً أَمَّهُ القُصَّادُ
يا مَن عُجِنتَ بِمَائِها ، و تُرَابِها
فكأنَّها بَيتٌ و أَنتَ عِمَادُ
و أَبَتْ طُيُورُكَ أَن تُغَادرَ عُشَّها
أو أَن تَحِيدَ عَنِ السِّبَاقِ جِيادُ
هَذا جَنَى كَفَّيكَ ، جِيلٌ عَاشِقٌ
للشِّعرِ ، أَنتَ مَعِينُهُ و الزَّادُ
يا أَيُّها النِّيلُ الذي يَمشِي عَلَى
رِجلَيهِ مَلْكاً ، عَرشُهُ الأَمجَادُ
سَبعُونَ شَمساً فِي جَبِينِكَ نَمَّقَتْ
سَبعِينَ أَلفَ حَدِيقَةٍ تُرتَادُ
مِن أَيِّ بَابٍ شِئتَ فَادخُلْ ، حُورُها
مِن لُؤلُؤٍ ، وحُرُوفُها أَورَادُ
فِي كُلِّ حَرفٍ ألفُ ألفِ حكايةٍ
يَحلُو بِها التَّغرِيدُ و الإِنشَادُ
" بُردِيَّةُ الأَسرَارِ " تُفشِي سِرَّ مَن
ضَلُّوا عَن الدَّربِ القَوِيمِ و حَادُوا
" و مُسَافِرُ الطُّوفَانِ " فِي وَهجِ الضُّحَى
لَم تُثْنِهِ عَن سَيرِهِ الأَحقَادُ
" وَطَنِي أَيا امرَأَةً " و قَلبَ قَصِيدَةٍ
مَا كَانَ يَحلُو .. إِن نَزَفتَ .. رُقَادُ
قد قلتَها ، فوعَيتَها ، فكَتَبتَها
فَبَدَرتَها شِعراً ، فحانَ حصادُ
يَمَّمتَ وَجهَ الشِّعرِ صَوبَ أُصُولِهِ
فَاستَبشَرَت بِقُدُومِكَ الأَجدَادُ
و نَهَلتَ مِن بَحرِ الحَدَاثَةِ ، فَارتَوَت
لمَّا سَقَيتَ وُرُودَها الأكبادُ
يا سِندِبَادَ الشِّعرِ أَنتَ أَمِيرُهُ
و الشِّعرُ حَيثُ تَقُودُهُ ، يَنقَادُ
سَبعُونَ عَاماً فِي كِتَابِكَ سَطَّرَت
قِصَصاً يُرَدِّدُ لَحنَهَا الأَحفَادُ
سَبعُونَ عَاماً يا " شَهَاوِيُّ " انقَضَت
و اليَومَ يَبدَأُ عِندَها المِيلادُ