وصية شهيد فلسطيني - جمال مرسي

أُمّاهُ لا تحزني إنْ جاءَكِ الخَبَرُ
أو قيلَ طالَ بِهِ يا أُمَّهُ السفَرُ

لا تُهرقي دمعَكِ الغالي إذا خَطَرَتْ
يا حبَّةَ القلبِ بعد الغيبةِ الفِكَرُ

قرِّي و نامي و ملءُ العينِ فرحتها
إنِّي هناك بدارِ الخُلدِ أنتظِرُ

لمّا سمعْتُ نداءَ الحقِّ يدعوَني
تسابقَ القلبُ و الإحساسُ و البَصَرُ

فما وجَدْتُ سوى نفسي أقدِّمُها
للهِ ، لم يُثنِها عن عزمِها الخطَرُ

كان الصباحُ جميلاً حينما انطَلَقَتْ
ساقايَ نحوَ العُلا يحدوهُما الظَّفَرُ

كأنَّ أنسامَهُ من جنَّةٍ عَبَقَتْ
روحي ، و أعطارُهُ في الأُفْقِ تنتشِرُ

يا كم تمنَّيْتُ يا أُمّاهُ في صِغَري
نيلَ الشهادةِ ، لم يُنعِمْ بها الصِّغَرُ

حتّى أفاءَ الذي نفسي بقبضتِهِ
بها عليَّ ، و جودُ اللهِ يُذَّكَرُ

أرنو إلى الموتِ ، إن الموتَ في شَمَمٍ
بطعنةِ الرمحِ أو بالسيفِ يُعتَبَرُ

و الموتُ فوقَ فِراشِ الذلِّ في فَزَعٍ
ذنبٌ لصاحِبِهِ ، يا ليت يُغتَفَرُ

لمّا رأيتُ عدوَّ اللهِ في وطني
قد ضاقَ ذرعاً بِهِ المحراثُ و الشَّجَرُ

و أَنَّتِ الروضَةُ الحسناءُ ، إذ عَبَثَتْ
كفُّ اللئيمِ بها و استنجدَ الثمَرُ

و مسجدُ القدسِ يشكو غدرَ مُغتَصِبٍ
يدعو أيا مُسلماً : مَنْ ليْ سينتَصِرُ ؟

يشكو، فلم يستَجِبْ يوماً لصرختِه
إلا القليلُ ، و جُلُّ الناسِ مُستَتِرُ

كأنَّما الأرضُ آذانٌ بها صَمَمٌ
و قلبُ سُكّانِها الجلمودُ و الحَجَرُ

و العالمُ المُبتَلى بالصمتِ مُنشَغِلٌ
بالكأسِ ، باللاعبِ المشهورِ يفتَخِرُ

يهزُّهُ حارسُ المرمى و طلعتُهُ
أو نجمةٌ زيَّنَتْ أعطافَها الدُّرَرُ

و تُذرَفُ الأدمُعُ الحرّى إذا مَرِضَتْ
أو أعلَنَتْ موتَها الأنباءُ و الصُّوَرُ

يهتزُّ عالمنا لو قطةٌ ذُبِحَتْ
و لا يُحَرِكُهُ لو يُذبحُ البَشَرُ

من أجلِ ذاك أيا محبوبتي اْنطَلَقَتْ
روحي كقنبلةٍ في البغيِ تنفجِرُ

و لو مَلَكْتُ سوى الروحِ التي قُبِضَتْ
ألفاً ، لفجرتُها في وجهِ من غَدَروا

أجودُ بالنفسِ كي تبقى كرامتُنا
تاجاً على الرأس يا أُمّاهُ يزدَهِرُ

فباركي يا حياةَ القلبِ تضحيتي
و لا تُبالي ، فإنَّ الموتَ ليْ قَدَرُ

نامي و قرِّي و ملء العينِ فرحتُها
إنِّي هناكَ بدارِ الخُلدِ أنتَظِرُ

هذي وصيَّةُ من أرْضَعْتِهِ شَمَماً
فلتقرئي ما بها إنْ تُسدَلِ السُّتُرُ