في المقهى - جمال مرسي

في مقعدٍ هادئٍ في الركنِ مُسْتَتِرِ
نَأَىَ بعيداً عن الفوضى ، عنِ النَّظَرِ

عيناهُ في مدخلِ المقهى تُراقبُهُ
هذا يروحُ ، وذا يرتادُ في خَفَرِ

وذا يميلُ مع الألحانِ في طَرَبٍ
وذاك يَغرِقُ في بحرٍ من الفِكَرِ

طوْراًَ يُحَمْلِقُ في الجُدرانِ يرسُمُها
وتارةً راكزاً عينيه في السُّتُرِ

يكادُ تفضِحُهُ عينُ الهوى ‘ و فَمٌ
يُتَمْتِمُ اْسمَ التي أَعْيَتْهُ بالسَّهَرِ

والوقتُ يمضي بطيئاًً مثلَ مُذنبةٍ
سِيقَتْ إلى غُرفةِ الإِعدامِ في خَوَرِ

في كُلِّ ثانيةٍٍ يرنو لساعتِهِ
كأنَّما عقربُ السَّاعاتِ في سَفَرِ

يا أيُّها النادلُ السَّاعِي لخِدمَتِنا
هلاَّ أَتَيْتَ بِفنجانٍ من الصَّبَرِ

فقد شربتُ كؤوسَ الإنتظارِ ‘ وما
هلَََََّت حبيبةُ قلبي ، مُهجتى ،عُمُري

أرى المكانَ وقد غابتْ مُعَلِّلَتِي
أمسى كمثلِ الدُّجَى في غَيْبَةِ القَمَرِ

فلا جَمَالٌ ، و لا نُورٌ أُحِسُّ بِهِ
ولا أَشُمُّ أَرِيجَ العِطرِ في الزَّهَرِ

و لَسْتُ أسمَعُ من أنغامِ صادحةٍ
هُناكَ غيرَ صدى الآلامِ و الضَّجَرِ

يا أيُّها النادِلُ الغادي بقهوتِهِ
زِدْنِي ، فإنِّي أرى مُكْثي إلى السَّحَرِ

مالي أراكَ و لم تبرحْ تُحَدِّقُ في
مُتَيَّمٍ بلهيبِ العشقِ مُسْتَعِرِ

أَمُشْفِقٌ أنتَ ، أمْ أبْصَرْتَ مُعجزةً
كما يُرى اْلماءُ في عينٍ من الحَجرِ

أَما رُمِيتَ بسهمِ العشقِ في كَبِدٍ
مثلي ، فصرتَ أسير الهُدبِ و الحَوَرِ

أما أُسِرْتَ ، و بعضُ الأسرِ نعشقُهُ
نسعى إليهِ بلا حِرصٍ و لا حَذَرِ

أما رأيتَ التي رقَّ الفؤادُ لها
و ليسَ يُشبِهُها نفسٌ من البَشَرِ

لو كنتَ أبصَرتَها ، ما كُنتَ تعذلني
و لا وَصَفْتَ الهوى بالحُمقِ و الهَذَرِ

شَعْرٌ تَدَلَّى على أكتافِها مَرِحاً
يزهو بِسُمْرَتِهِ ، يزدانُ بالدُّرَرِ

كأنَّهُ موجةٌ تجري ، و تتبعُها
أخرى ، فتهربُ للشُطآنِ و الجُزُرِ

و الوجهُ واحةُ فُلٍّ في تأنُّقِهِ
و الخَدُّ روْضةُ كَرْزٍ باسِمٍ نَضِرِ

و الثَّغرُ ياقوتةٌ حمراءُ ، راقَصَها
ضوءُ النَّهارِ على ترنيمةِ الوَتَرِ

يا لائمي في الهوى ،إنَّ الهوى قَدَرٌ
إنْ كنتَ تؤمنُ يا "جرسونُ" بالقَدَرِ

فاْذهَبْ و دَعْنِي وحيداً في تَرَقُّبِها
حانَ اللقاءُ ، لقاء الأرضِ بالمَطَرِ