فتجملي بالصبر يا بغداد - جمال مرسي
سَقَطَ القِناعُ ، و بَانَت الأحقادُ
فتجمَّلي بالصبرِ يا بغدادُ
لا يرهبنَّكِ إن رأيتِ جحافلاً
بالغدرِ والحقدِ الدفينِ تُقادُ
جاءت لتزدردَ الفراتَ ، و ما دَرَت
أنَّ الفرات لغاصبيهِ عتادُ
و نخيلُ دجلةَ شامخٌ ، لا ينحني
للمعتدينَ ، كأنّهُ أوتادُ
و ثراكِ - لو علم الغزاةُ - جواهرٌ
لكنّهُ لو دنَّسوهُ قتادُ
سَقَطَ القناعُ ، فبانَ وجهٌ أسودٌ
يغشاهُ من قلبِ الصليبِ سوادُ
طاغوتُ هذا العصرِ جنَّ جنونُهُ
فقد الصوابَ ، وغابَ عنهُ رشادُ
قد ظنَّ لمَّا ألَّهُوهُ بأنهُ
فِرعونُ في أُمَمٍ خَلَت ، أو عادُ
ما دارَ في خَلَدِ الغريرِ وجندِهِ
أنَّ الجبالَ الشُّمَّ لا تنقادُ
فأتاكِ يحسبُ أنهُ في نزهةٍ
تُلقى عليهِ زنابقٌ و وِرادُ
أو أنهُ كالفاتِحِ المغوارِ ، قد
فُتِحَت بنظرةِ مقلتيهِ بلادُ
لا تتركيهِ يعودُ حيّاً سالماً
بل مزقيهِ ، فداؤكِ الأولادُ
صُبِّي جحيم الغيظِ في أحشائِهِ
كي تُطفئي ناراً بِهِ تزدادُ
بغدادُ نُوبِي عن شعوبٍ قد أَبَت
ذُلاً بأعناقِ الرجالِ يُرادُ
سقط القِناعُ ، تَكَشَّفَت سَوءَاتُنا
فجميعُنا لو تعلمينَ جمادُ
متفرجونَ ، فلا نُحرِّكُ ساكناً
وعراقنا بيد الطغاة يُبادُ
أين العروبةُ ، أين غَيرةُ مسلمٍ
أين الأُلى ، و العزُّ ، والأمجادُ
أين الجيادُ ، و قد عَلَتْ صهواتِها ال..
فرسانُ ، و انقادت لها الأجيادُ
بعناكِ بالصمت الذي بعنا به
قدسَ العروبةِ ، فاشترى الأوغادُ
من كلِّ صَوبٍ ينسلونَ ، كأنهم
إذ جيَّشوا تلك الجيوشَ جرادُ
فُتِحَ المزادُ ، فأقبلوا ، فتحالفوا
فتقاسموا ، فتكشَّفَت أحقادُ
زعموا بأنكِ تسقطينَ فينقضي
في لحظةٍ ما خططوا ، و أرادوا
و بأن موتَكِ موشِكٌ و مُحَقَّقٌ
فَرِحَ اليهودُ وغَرَّد الموسادُ
كذبوا ، فإني ما رأيتكِ صلدةً
و أبيَّةً كاليومِ يا بغدادُ
كلا ولم أُبصر بطولاتٍ كما
أبصرتُ يومَ تكالبَ الأضدادُ
و كأنَّ نخلَ الرَّافِدَينِ .. و قد سما ..
ليطالَ آفاق السما أطوادُ
وحصاكِ في أيدِ الصغارِ مدافعٌ
يهوي بِهِ طيرانُهُم ويُصادُ
و ترابُكِ الغالي يُفجر نفسَهُ
في وجهِ من جاروا عليكِ ، و حادوا
صبراً حبيبتنا ، فهذي محنةٌ
من هولِها تتفطرُ الأكبادُ
لا تيأسي ، فالضيقُ يأتي بعدهُ
فَرَجٌ ، وبعد الإبتدارِ حصادُ
ولَرُبَّ بائقةٍ يُظَنُّ بُعيدها
موتٌ ، فيأتي بعدها ميلادُ