ملحمة العِزة - جمال مرسي

لو أستطيعُ صَمَتُّ يا أقراني
و كتمتُ في جوفي لظى أحزاني

و حبستُ دمعي في العيونِ مُكبَّلاً
كَيََدَيَّ في قيدٍ من النيرانِ

لكنَّه قد ثار حين حبستُهُ
بين الجفونِ كثورةِ البركانِ

ما كنتُ صخريَّ المشاعرِ حينما
هجم الأسى بجيوشهِ فغزاني

و كأنَّهُ يدري بأنِّي مُوهنٌ
مِمّا دها كلَّ الورى ، و دهاني

خطبٌ ألمَّ بأُمَّتي ، فتزلزلتْ
من هَولِهِ منظومةُ الأكوانِ

خطبٌ ، و كم أعيت خطوبٌ قبلهُ
هَجَرَ الكرى جرَّاءها أجفاني

خطبٌ ، و هل من بعد غزةِ هاشمٍ
و دمارِها يا قومُ خطبٌ ثانِ

****

إني نظرتُ إلى الصباحِ رأيتُهُ
مُتوشِّحاً ثوبَ الظلام الجاني

و نظرتُ مُرتقِباً إلى شمس الضُّحى
غابت ، و حلَّ مكانها ليلانِ

و إذا النجومُ بكلِّ ليلٍ صخرةٌ
شُدَّتْ إلى الأوتادِ بالأرسانِ

و رأيتُ عينَ البدرِ تذرفُ دمعها
و الغيمُ جاد بمائهِ الهتَّانِ

و الطير تأبى أن تبُثَّ غناءها
أو أنْ تجودَ بأعذبِ الألحانِ

فسألتُ:ماذا ؟ هل أنا ذات الأنا
و هل الزمان أيا رفاقُ زماني

و هل البسيطةُ لم تزل بمدارها
أم أنها كفَّتْ عن الدورانِ

و سألتُ مَنْ حولي : أحقاً ما أرى
أم أنه ضربٌ من الهذيانِ

أَوَ تلكَ غزةُ هاشمٍ ، أشلاؤُها
كشذورِ دُرٍّ بُعثِرَت و جُمانِ ؟

قولوا بأنِّي واهمٌ و مضلّّلٌ
فيهِ العمى و الجهلُ يصطرعانِ

قولوا بأني مثل سائرِ أمتي
أعمى يسيرُ بموكبِ العميانِ

ما عاد يشغلنا سوى أقواتِنا
و الرقصِ عند معازفٍ و قيانِ

آمنتُ باللهِ العظيمِ حسيبِنا
ما خاب مُلتجِئٌ إلى الديّانِ

هولُ المفاجأةِ العظيمةِ راعني
و صدى الفجيعةِ داخلي أبكاني

****

يا كل من جعل الكرامة ثوبَهُ
في غزة الشرفاء هاك بياني:

أنت الأبيُّ ، و إننا يا للأسى
غرقى ببحرِ مذلّةٍ و هوانِ

ما عاد فينا غيرُ صوتِ حناجرٍ
واهٍ برغمِ ضخامةِ الأبدانِ

سقط القناعُ عن الوجوهِ ، فكلُّنا
يا شهمُ نحملُ سحنةَ الإنسانِ

لكنْ إذا حدَّقتَ في قَسَمَاتِنا
عربيَّةً في ثوبِ أمريكاني

إنّا غدوْنا كالنعامةِ ، رأسُها
في الطينِ من خزيٍ و من خذلانِ

نجري وراء الغربِ نبغي منهجاً
و أمامنا المِنهاجُ في القرآنِ

أخذوا الحضارةَ من معينِ كتابنا
و نروم مجداً في حِمى الرومانِ

السُنَّةُ الغرّاءُ غصنٌ وارِفٌ
و نريدُ ظِلَّ المنهجِ العَلْماني

أسيافُنا أضحت دُمَىً أثريّةً
نُقِشَتْ بإتقانٍ على الجدرانِ

ظَمِئَتْ فما شرِبَتْ دماء عدوها
جاعت فما مُدَّتْ يدٌ بحنانِ

من ليْ بسيفِ اْبنِ الوليدِ أضُمُّهُ
و أجذُّ رأس مُخادعٍ شيطانِ

من لي بجيشِكَ يا (رشيدُ) و عزمِهِ
لأَدكَّ حِصنَ مُخنَّثٍ و جبانِ

مَنْ لي برمحٍ سمهريٍّ شامخٍ
من لي بسيفٍ مُصلَتٍ و حِصانِ

سأُعلّم اْبني ، رُبَّما من صُلبِهِ
يأتي (صلاحُ) محطِّم الصُّلبانِ

سأعلمُ ابني أنْ يكونَ مُجاهِداً
بالنفسِ ، لا بمشاعرِ و لسانِ

و أقولُ يا ولدي : أبوكَ و جيلُهُ
عجزوا ، فخُذْ ثاراتِ جيلٍ فانِ

****

يا غزةَ الأحرارِ يا نبض الأُلى
صبراً على ليلِ الطغاةِ الجاني

قتلتكِ إسرائيلُ ؟! ، لا بل ضعفُنا
و كلاهما يا غزتي سيّانِ

النار تحرقُ و السكوتُ مدمِّرٌ
عجباً لصمتٍ حارقٍ أعياني

عجباً لصاروخٍ يواجهُ زهرةً
يا لاختلال العدلِ و الميزانِ

"باراكُ "يبني جيشَهُ و عتادَهُ
و نغطُّ في نومٍ لذيذٍ هاني

هم من دمانا أبرياءُ ، و إننا
صُنّاعُ إرهابٍ بكلِّ مكانِ !

إن دُكَّ بُرجٌ، دُمِّرَتْ بغدادُنا
أو مات هِرُّ جِيءَ بالغزاني

و إذا تعثَّرَ كلبُهُمْ في خَطوِهِ
فالعُربُ و الإسلامُ مُتَّهَمانِ

خسِئوا ، فإنَّ دماءنا موتٌ لهم
سيروْنَهُ يا "غزُّ " كلَّ أوانِ

و لسوف نأخذُ ثأرَ كلِّ مجاهِدٍ
بذلَ الدماءَ لنُصرةِ الأوطانِ

****

يا غزة الشرفا دماؤكِ عِزَّةٌ
فلتفخري يا دُرَّةَ التيجانِ

هذي الدماءُ الطاهراتُ عرفتها
أزكى من النسرينِ و الريْحانِ

هذا الشهيد رأيتُ في إصراره
شَغَفَ الأُباةِ لجنة الرضوانِ

فالرأسُ مُنتصبٌ كبندٍ شامخٍ
رَكَزَتْهُ فوق الشامخاتِ يدانِ

و القلبُ يحتضنُ (السليبَ) ، و نبضُهُ
سمِعتْهُ .. حين ترنَّمَ ..الثقلانِ

يا من عبرتِ بنا حدود خنوعنا
و أضأْتِ قِنديلاً بكلِّ جَنانِ

و زرعتِ في كلِّ القلوبِ محبَّةً
و غرستِ فيها من عظيمِ معانِ

علّمتِنا أن الشهادةَ مطلبٌ
ليست تُنالُ براحةٍ و أماني

و بأنّ من رام الخلودَ مضى لهُ
مُتوثِّباً بعزيمةِ الشجعانِ

فلتهنأي بالنصر حان قطافُهُ
و الليل لن يبقى على الأحزانِ