فراشة الثلجِ - جمال مرسي

موجٌ
علي صَخرَةِ التَّودِيعِ
ينكسِرُ
و أَدمُعٌ
مِن عُيونِ المَوجِ تَنهَمِرُ
و قارَبٌ
شقَّهُ التيَّارُ في سِنَةٍ
فأنكرَتهُ رِمالُ الشطِّ و الجُزُرُ
ما للنُّجُومِ تَوَارَت خَلفَ غَيمتِها
و آثَرَ الصَّمتَ
..في عَليائِهِ..القَمَرُ ؟
و أَحرقَ الرَّملُ
فِي " کانُونَ " بُسرتَهُ
لمَّا تنامَي إلي أَسماعِهِ :
" هجروا "
کأنَّما الأَرضُ
يا " ليلايَ " قَد سُلِبَت منها الحياةُ ،
فلا نبتٌ و لا بَشَرُ
کأنَّ خارِطةَ الأَوطانِ
قد شُطِبَت مِنها البلادُ ،
فلا بِيدٌ و لا حَضَرُ
ما کانَ غيرَ جبالِ الثلجِ شامخةٌ
ليست تُذَوِّبها رِيحٌ و لا سَقَرُ
فراشةُ الثَّلجِ
قد آبَت لموطِنِها
و خلَّفت بَعدها الآهاتِ تنفجِرُ
يا ليتَها ترَکَت
يا " قيسُ " أُغنِيةً
" يوماً أَعودُ و إِن أَغرانِيَ السَّفَرُ "
يا ليتَها رحلَت سِرّاً ،
فما نَقَشَت
قبلَ الرَّحيلِ علي المِندِيلِ
" أَعتَذِرُ "
أَيقُونةُ الضَّوءِ في الجوزاءِ مسكنُها
و القلبُ في وَحشةِ الدَّيجُورِ
يُحتَضَرُ
ما بينَ صُورةِ أَمسٍ
لا مَواتَ لهُ
و بينَ صُورةِ يومٍ
فيهِ يستَعِرُ
شتَّانَ ما بينَ طَلقٍ رَاقَهُ سَفَرٌ إِلَي ذُکاءَ،
و مَأسُورٍ بِهِ خَوَرُ
و نَسمَةٍ
بأَرِيجِ اليَاسَمِينِ سَرَت
و ريحِ "کانونَ "،
لا تُبقِي و لا تَذَرُ
أمُرُّ بالطلَلِ المنقُوشِ في خَلَدِي
أَسترجِعُ الصُّورةَ البَيضاءَ ،
أَدَّکِرُ
في فُندِقِ الغابةِ الفيحاءِ حيثُ لنَا
فِي رُکنِهِ مِقعَدٌ ،
يرنُو و ينتَظِرُ
ما کانَ يُطفِئُ مِن نِيرانِ لهفتِهِ
في الثَّلجِ ،
غيرُ لقاءٍ ساقَه القَدَرُ
و همسُ عُصفورةٍ للغُصنِ ،
لو هجَعَت إِليهِ ،
يَنبُتُ في أَکمامِهِ الثَّمَرُ
( ماذا أَقولُ لهُ إن جاءَ يسأَلُني )
عن نَجمةٍ ،
زيَّنت خُصْلاتِها الدُّرَرُ
جبِينُها زُهُرٌ ، أَنفاسُها زَهَرٌ
في قلبِها قَمَرٌ ، في وَجهِهَا خَفَرُ
في خدِّها ألَقٌ ، في ثغرِهَا شَفَقٌ
في جِيدِها حَبَقٌ ، في عينِها حَوَرُ
يا طِيبَ منطِقِها ،
يا حسنَ مشرِقِها
مِن فيضِ خافِقِها يدَّفقُ المَطَرُ
أَمِيرةُ الفجرِ ،
کان النُّورُ منبَعَها
کأنَّها من جُذورِ الشَّمسِ تنحَدِرُ
کُلُّ النِّساءِ
( و لم يُشبهْنَها خُلُقاً )
في حُسنِهِنَّ .. إذا ما أشرقَت ..
نَظَرُ
ماذا أَقولُ لهُ
إن جِئتُ مُنفرِداً
و الليلُ خاصمَهُ التَّغرِيدُ و السَّمَرُ
و الشِّعرُ بعد عروسِ الشِّعرِ ليسَ لهُ
طَعمٌ ،
و ما ليَ في دِيوانِهِ وَطَرُ
إن راوَدَت قلمِي أَبياتُهُ عَرَضاً
وجدتُها
في ثَنَايا الحرفِ تستَتِرُ
يسَّاقطُ الدَّمعُ مِن شوقٍ علي ورقِي
فيهرُبُ المُبتدا في السَّطرِ
و الخَبَرُ
و المِقعدُ الفردُ إلا مِن لظَي حُرَقِي
يكاد يصرخُ في آَذانِ مَن عَبَروا
فراشةُ الثَّلجِ
مُذ غَابَت فَلا سَهَرٌ يحلُو
و لا نَغَمٌ يصفُو
و لا وتَرُ
هل صُنتَها ؟ قالَ و الأَحزانُ
تعصِرُهُ
و النَّارُ تأکلُ مِن جنبيهِ و الكَدَرُ
أَلُوذُ بالصَّمتِ
لا أَلوِي علي أَحَدٍ
و فِي يمينيَ کادَت تَنطِقُ الصُّوَرُ