من جذوة الشعر - جمال مرسي

( إلى غزة الصمود و الإباء )

مِن جَذوَةِ الشِّعرِ أجَّ الشِّعرُ مُلتَهِبا
في دَاخِلي ، يُطلِقُ البُركَانَ و الغَضَبَا

كانَ الرَّمَادَ الذي يُخفِي بِدَاخِلِهِِ
شَمسَ الحَقِيقَةِ و الأَقمَارَ و الشُّهُبا

رَبَّيتُهُ نِصفَ قَرنٍ فِيَّ ، أُطعمهُ
مِن سَلَّةِ الحرفِ تِينَ الحُبِّ و العِنَبا

َأسقِيهِ من مُهجَتِي رَاحاً ، و أُلبِسُهُ
مِمَّا أفاءَ الهَوَى أَثوَابَهُ القُشُبا

سِرّاً أُقَبِّلُهُ ، جَهراً أُدَلِّلُهُ
عُمراً أُبَادِلُهُ الأَقلامَ و الكُتُبا

حَتَّى نَمَا عَاشِقاً رُوحَ الجَمَاِل و ما
أَضفَى الجَمَالُ على أبياتِهِ حِقَبا

يَبكِي إذا دَمِعَت عَينُ الجمالِ دَماً
يَشدُو إذا فَرِحَت دَقَّاتُهُ طَرَبا

يَرنُو بِمُقلةِ مَفتُونٍ بِفاتِنَةٍ
يُحيلُ قَشَّتَهُ مِن أَجلِهَا ذَهَبا

حَسِبتُهُ غَضَّ عَن أَحدَاثِ أُمَّتِهِ
طَرْفاً ، و عَن نُصرَةِ المُستَضعَفِينَ نَبَا

و خِلتُهُ شَاخَ أو جَفَّت مَنَابِعُهُ
فَجَاءَ يَصرُخُ : نَبعِي بَعدُ ما نَضَبَا

و كَيفَ يَنضَبُ أو تَنأى رَوَافِدُهُ
إنْ أَجدَبَ الرَّوضُ في الأَوطَانِ و استُلِبا

أو عَربَدَ الظُّلمُ في أَرجَائِهِ ، فغدا
كالنار ثائرةً إن أُلقِمَت حَطَبا

يا غَزَّةَ الخَيرِ : جِئتُ اليَومَ مُعتَذِراً
و الذَّنبُ مِن خَجَلِي قَد شَقَّنِي إِرَبَا

أَتَيتُ أَركُضُ نَحوَ البَابِ فِي شَغَفٍ
تَحتَ الجَوَانِحِ قَلبٌ مَاجَ مُضطَرِبَا

نَادَاكِ ، نَادَاكِ يا بِنتَ الكِرامِ : دَمِي
يَفدِي تُرابَكِ ، يَفدِي النَّخلَ و الهِضَبا

يا من ضَرَبتِ لنا فِي العِزِّ أَمثِلةً
و فِي الصُّمودِ بَلَغتِ الأَوجَ و السُّحُبَا

و بِالتَّصَبُّرِ نِلتِ المَجدَ عن ثِقَةٍ
حَتَّى بَلَغتِ الذُّرا فِي عِزَّةٍ و إِبَا

فلا رِجَالُكِ ما صَالَ العِدا رَكَعُوا
و لا حِصَانُكِ مَا حُمَّ القَضَاءُ كَبَا

و لا صِغَارُكِ و الأَلعَابُ بُغيَتُهُم
بَكَوْا ، و إنْ حَطَّم البَاغِي لَهُم لُعَبا

كانت حِجَارَتُهُم قَوساً و رَاجِمَةً
للهِ دَرُّ يَمِينٍ أَطلَقَت لَهَبَا

للهِ دَرُّ شَبَابٍ رُوحُهُم رَخُصَت
حَتَّى يَعِيشَ تُرَابُ الأَرضِ مُنتَصِبَا

يا غَزَّةَ الخَيرِ و الأَمجَادِ : أَرَّقَني
أَنَّا غَدَونَا غُثَاءَ السَّيلِ ، و الخَشَبا

لا مُنكِرٌ في فَلاةِ التِّيِهِ مُنتَفِضٌ
كَلاَّ ، و لا مُخلِصٌ فِي أُمَّتِي شَجَبَا

ما عَادَ بِي أَمَلٌ فِي أُمَّةٍ عَرَبٍ
باللهِ ، بِاللهِ لا تَستَصرِخِي العَرَبَا

إنِّي أتيتُكِ يا غزّاهُ مُعتَذِراً
و فِي سِجِلِّ غِيَابِي لم أَجِد سَبَبَا

فَلتَغفِري ذَنبَ مَن أَشقَتهُ قَافِيَةٌ
و لتَرفَعِي عَنهُ يا قَطرَ النَّدى عَتَبَا