أنا لستُ هُو - جمال مرسي

يتَساءلُونْ
..
..
..
غَرَقُوا
و ظَلَّ الماءُ يَحمِلُ فوقَ صَفحتِهِ
عُيونَ الأَسئِلهْ .
و الفُلكُ تَجرِي فِي هُدُوءٍ
غيرَ عابِئةٍ بما حملَتهُ أَجنِحةُ الكَواسِرِ
من قَنَابِلْ .
للبَحرِ قِصَّتُهُ ..
و للرَّملِ امتِدَادٌ للحِكاياتِ القَدِيمَةِ
يشرئِبُ لها النَّخِيلُ
فتَنتَشِي أَطيَارُ بَابِلْ .
للبَحرِ قِصَّتُهُ ..
يُخبِّؤها المَحَارُ و سِرُّهُ المُمتدُّ مِن عينيكِ
للشَّمسِ البَعِيدةِ
للسَّنابِلْ .
للبَحرِ جُرحِي و السُّنونُ الغَافِياتُ على دَمِي
و لَكِ البَنَفسَجُ
لِي بقايا سَيفِ عنترةِ الأَبيِّ
و ما تَبقَّى مِن صِراعاتِ القبائِلْ .
لي ياسَمينُ الحَرفِ موصولاً بِناصيةِ اغتِرابِي
كلَّما حدَّقتُ فِي ليلٍ ترامَى
في الأُفُقْ .
لي قِصَّةٌ
يوماً ستكشِفُ سِرَّها لبَنيَّ ذاكِرةُ الوَرَقْ .
أنا لَستُ هُوْ .
أنا لن أَسُوقَ لأَجلِ مَن بَاعُوا دِمائِي ناقةً
حتَّى يُطَالبَنِي الغُزاةُ
بأَلفِ ناقهْ .
أنا من فَتَحتُ على رحِيلِي فِي بِحارِكِ
أَلفَ فُوَّهةٍ و طَاقَهْ .
و عَلِمتُ أنَّ هُناكَ فِي بَحرَيْكِ مَوتِي .. رُبَّما
و عَلِمتُ أنَّ هُناكَ " فِينِيقِي " سيُبعثُ مِن رَمادِي مِن جدِيدْ .
هُوَ قد تَبرَّأَ مِن دَمِي
من عَثرَتِي
من شِقوَتِي
و أنا سأَمنحُ سيفَهُ للنَّخلِ
أَحتمِلُ انكِساراتِي و أَمضِي
فاترُكِينِي
علَّنِي يوماً أَعُودْ .
لا تُهرِقِي دَمعاً على قَبرِي
و قُولِي للذينَ تَساءلُوا :
رحلَ المُقاتِلُ فِي دَمِي
و غداً سيُبعثُ مِن دمِي
و غَداً يُطوِّقني بِعِقدِ اليَاسَمِينْ .
سِيزِيف
اُنثُرُوا
في مَدَى مُقلَتَيهِ وُرُوداً
و زِفُّوا لهُ أَنَّ سِيزِيفَ بعد عناءِ الصُّعودِ/الهُبوطِ
الهُبوطِ / الصُّعودِ استَوَى فوق قمَّتِهِ
يلمَسُ الغَيمَ
يقطِفُ مِن أَنجُمِ الأُفْقِ نُوراً يُضِئُ لهُ
في فَضاءِ القصِيدَهْ .
كانَ يَعلمُ أَنَّ هناكَ سُيوفاً
بحَجمِ المُعَاناةِ
تنتَظِرُ البدرَ أَن يتَهاوَى
إلى السَّفحِ
يلتَحِفُ القيظَ فِي مَهمَهِ العُمرِ
سوفَ تُسَلُّ عَلَيهِ
لتُثخِنَهُ طَعَناتٍ
و تُرهِقَ كاهلَهُ بِالجِراحِ العتِيدَهْ .
يشرَبُ الرَّملُ مِن دَمِهِ
قَطرَةً
قَطرَةً
تأكُلُ الطَّيرُ مِن فَمِهِ
لُقمةً
لُقمةً
فيمُوتُ
من النَّزفِ و الجُوعِ
موتاً بَطِيئاً
و تَغدُو دِمَاهُ غَبُوقَ السِّباعِ
و أُغنِيةَ النَّارِ
حِينَ تُؤَجِّجُها
نِسوَةٌ
قد تَوَشَّحنَ بِاللَّيلِ
ثُمَّ تَرنَّمنَ بِالأُغنِياتِ العَتِيقهْ .
و رِجَالُ القَبِيلَةِ
ينتَظِرُونَ النَّبِيذَ المُعتَّقَ
كي يَشربوا نَخبَ نصرٍ تَحقَّقَ
في لحظَةٍ
بسُيوفٍ أَتَتهُم مِن الهِندِ ،
و الجُندُ
من تَلعَةٍ خلفَ ليلِ البِحارِ البَعِيدَهْ .
و الخُيولُ التِي طَالما صَهَلت
بنشِيدِ الحَمَاسَةِ
قد أَبدَلُوهَا بِخَيلٍ تُجِيدُ التَّرَنُّحَ
و الرَّقصَ
فامتنَعَت أَن تُثِيرَ غُبارَ الحُروبِ المَجِيدَهْ .
و على الأَوجِ سِيزِيفُ يَضحَكُ
يضحَكُ
ثُمَّ يُدَندِنُ غيرَ مُبالٍ بِهِمْ .
***
اُنثُرُوا
في مَدَى مُقلَتَيهِ الوُرُودَ
و لا تَخنُقوا صوتَهُ
إنَّهُ صوتُهُ .
قد سقاهُ كُؤوسَ العَبِيرِ
فميَّزهُ
عن نَشِيجِ الكَمَنجةِ
ألبَسَهُ
حُلَّةَ الضَّوءِ فِي ظُلمةِ الَّليلِ
كي ما يُغرِّدُ مِثلَ طُيورِ الكَنَارِ الطَّلِيقَهْ .
توِّجُوا رَأسَهُ
بالقَرَنفُلِ و النَّرجِسِ الجَبَليِّ
و لا تَقربُوا عَرشَهُ
إنَّهُ عَرشُهُ .
فدَعُوهُ و لا تُحدِثُوا ضَجَّةً
إنَّهُ نائِمٌ
يستَرِيحُ قَلِيلاً
و مِن ثَمَّ يَرجِعُ بِالأُغنِيَاتِ الجَدِيدَهْ .