و نطقتَها - جمال مرسي

في رثاء صديقي المغفور له بإذن الله المربي الفاضل

شوقي عبد الوهاب

و تَرَكتَنا ، و رَحَلتَ وَحدَكَ يا غَرِيبْ
عَزَّ المُقامُ عَلَيكَ فِي دُنيا اللَّهِيبْ

فَحَزَمتَ أَمتِعَةَ الرَّحِيلِ مُسَافِراً
مِن دُونِما زَادٍ ، سِوَى قَلبٍ رَطِيبْ

و دُعَاءِ آَلافٍ و عِلمٍ نَافِعٍ
زَرَعَتْهُ يُمناكَ الشَّرِيفَةُ في القُلُوبْ

هَل كُنتَ تَعلمُ يا رَفِيقي بِالنِّهَا
يَةِ فَامتَطَيتَ الرِّيحَ لِلوَطَنِ الحَبيبْ ؟

لَمَّا دَعَاكَ ثَرَاهُ طِرتَ بِلَهفةٍ
لِتَنَامَ كَالعُصفُوُرِ فِي الصَّدرِ الرَّحِيبْ

و أَخَذتَ آَخِرَ قَطرَةٍ مِن نِيلِهِ
فَغَسَلتَ مَا عَلقَت بِثَوبِكَ مِن ذُنُوبْ

كفَّنتَ نَفسَكَ بِالثَّرى ، و سَتَرتَهَا
مِن عُريِ أَيَّامٍ رَمَتكَ عَلىَ الدُّرُوبْ

و تَرَكتَ خَلفَكَ أَدمُعاً حَرَّى تَسِيلُ..
كَمُزنَةٍ فِي مَهمَهِ العُمرِ الجَدِيبْ

و تَرَكتَ أَزهَاراً بِدَارِكَ لَم تَزَل
عَطشَى فَتَروِيهَا مَرَارَاتُ النَّحِيبْ

يا صَاحِبي : لا زَالَ صُبحُكَ مُشرِقاً
فَلِمَ اْستَكَانَت شَمسُ صُبحِكَ للمَغِيبْ ؟

و لمَ اْستَكَنتَ لِسَطوةِ الحُمَّى ، فَلَم
يُوقِظْكَ عِندَ الفَجرِ صَوتُ العَندَليبْ ؟

و دُعَاءُ " نِرمِينَ " الذي صَعَد السَّما
ءَ على جَنَاحِ النُّورِ للرَّبِّ الحَسِيبْ ؟

"شَوقِي" : و قَد أَجَّجتَ شَوقِي لِلِّقَا
فَمَتَى سَيَجتَمِعُ الغَرِيبُ مَعَ الغَرِيبْ ؟

و كَأَنَّنِي أَرنُو إِلَيكَ و حَولَكَ ال
حُورُ الحِسَانُ مُضَمَّخَاتٍ بالطُّيُوبْ

و قُطُوفُ فَاكِهَةٍ دَوَانٍ مِنكَ فَاقْطِفْ..
مَا تَشَاءُ بِأَمرِ رَحمَنٍ مُجِيبْ

يا صَاحِبي : مَا زَالَ صَوتُكَ صَادِحاً
فِي مِسمَعَيَّ كَصَدحِ قُبَّرةٍ لَعُوبْ

كَخُشُوعِ قِديسٍ ، كَرِقِّةِ مُدنَفٍ
نَاجَىَ ، فَأَبكَىَ اْلأُفْقَ و السَّهلَ الخَصِيبْ

أُوصيك ، لا ، لا تُوصِنِي ، بَل عُد إِلى
بَيتٍ يَتُوقُ لِصَوتِكَ العَذبِ الرَّطيبْ

عُد لِلزُّهَيرَاتِ ، اْرتَقَبنَ يَمِيَنَكَ ال
بَيضَاءَ ، تَسقِيِهِنَّ مِن عَذبِ الحَلِيبْ

لا ، لن أعودَ ، نَطَقتَهَا فِي لَحظَةٍ
بِشِفَاهِ رَاضٍ بالقَضَا : مَوْتِي قَرِيبْ