هجرت الشعر - جمال مرسي

أيُجدي ما يبوح بِهِ يراعي
بحِلمٍ تارةً ، أو باندفاعِ

و هل يروي غليلي بعضُ شعرٍ
و هل يرثي لهمِّي و التياعي

كرهتُ الشعرَ ، خاصمتُ القوافي
و هاجرتُ الخيالَ عن اْقتناعِ

و قلُتُ أعيشُ في بيتٍ جديدٍ
بعيداً عن نفاقٍ أو خداعِ

فما عادت بيوتُ الشِّعرِ إلا
مساكنَ للعقاربِ و الأفاعي

و ما عادَ الخيالُ الخصبُ يُجدي
لرأبِ الصدعِ أو فضِّ النزاعِ

و عالمنا تموجُ بِهِ الرزايا
و تلطِمُ وَجْهَهُ كَفُّ الصراعِ

تؤمرِكُهُ بخبثٍ حيثُ شاءَتْ
ولاياتُ التشرذمِ و الضياعِ

و إسرائيلُ طفلتها استباحتْ
دمائي ، موطني ، شمسي ، شعاعي

تُعربِدُ ما تشاءُ بكلِّ وادٍ
كسائِمَةٍ لها خصبُ المراعي

و ما من مخلِصٍ ليقولَ كلا
برمحٍ سمهريٍّ للضِّباعِ

و ما كانت سوى الكلماتِ تهوي
مُحَطَّمَةً بقاعات اجتماعِ

***

سألتُ الشِّعرَ : هل حرَّرتَ أرضاً
بلا سيفٍ يُلَوِّحُ أو ذِراعِ؟

و هل حَقَّقْتَ يا مسكينُ نصراً
بِخَطٍّ ، لا بِخَطِّيٍّ شجاعِ؟

و هل أطلقتَ من حبسٍ أسيراً
تَمَرَّغَ في زنازين التياعِ؟

و هلْ غيرُ التجاهُلِ ما جناهُ
ذووكَ العاشقونَ بغير داعِ؟

إذا كتبوا ، فجمهورٌ قليلٌ
لما كتبوا يُمَحِّصُ أو يُراعي

و إن سلقوا بألسنةٍ حِدادٍ
غدت أجسادُهُمْ طُعمَ السِّباعِ

و إن عزفوا بقاعاتِ استماعٍ
فلا سمعٌ بقاعاتِ استماعِ

***

أجابَ الشِّعرُ : مظلومٌ برئٌ
من التُّهَمِ التي خَرَقَتْ شراعي

و فاضت بالدموعِ عيونُ شِعري
فأرسلَ كُلَّ حرفٍ للدفاعِ

تقولُ الشينُ : شمس الشعر أسمى
و إنْ حُجِبَتْ بغيمٍ أو قناعِ

و قالت عينُهُ : هل من عميدٍ
كمثلِ الشعرِ موفورِ الطِّباعِ

و قالت راؤُهُ :رفقاً صديقي
و لا تعجلْ بهجرٍ أو وداعِ

فصوتُ الحقِّ في بيتٍ يتيمٍ
يدكُّ الشرَّ في كلِّ البقاعِ

و عذبُ الشِّعرِ بالأرواح يسمو
على كلِّ ابتكارٍ و اختراعِ

و نبضُ الشِّعرِ موَّارٌ يُدوِّي
و نجم الشِّعرِ دوماً في ارتفاعِ

***

هجرتُ الشعرَ يا سلمى ، و لكنْ
لأجلكِ قد أعود إلى يراعي

لأكتبَ يا ابنتي شعراً جميلاً
لعينِكِ ، رحلتي زادي متاعي

فحُبُّكِ يا مُنى نفسي عظيمٌ
يُحطِّمُ سورَ رفضي و امتناعي