اليوم الثالث للحزن - جمال مرسي
" دمعة متأججة في رثاء والدي الغالي رحمه الله و أسكنه فسيح جناته . "
ألو .. هل تُجِيبُ النِّدا يَا حَبِيبِي
أَتَسمَعُ صَوتِي ، و جَمرَ نَحِيبِي ؟
أَتَسمَعُ نَبضِي و تَنأَىَ بَعِيداً
و قَد كُنتَ بَهجَةَ صُبحِ الغَرِيبِ ؟
لِمَ اليومَ أَعرَضتَ عَنِّي ، و أُذْنِي
تَتُوقُ لصوتِكَ يُطفِي لَهِيبِي ؟
و كُنتُ إذا ما بَثَثتُكَ حُزنِي
تقولُ فِداكَ العُيونُ حَبِيبِي
و تُهرَعُ للصَّوتِ قَبلَ النِّداءِ
و قبلَ أقول ألا مِن مُجِيبِ
أحقاً رَحلتَ كَمَا يدَّعُونَ
و شَمسُكَ قد آَذَنَت بِالمَغِيبِ ؟
فَمَن ذا سَيُشرِقُ لِي كُلَّ صُبحٍ
و مَن ذا سَيَصدَحُ كَالعَندَلِيبِ ؟
و مَن ذا سَيَسكُبُ فِي مِسمَعَيَّ
أَرِيجَ الصَّباحِ و سِحرَ الطُّيوبِ ؟
و مَن ذا سَيَأخُذُنِي فِي الحَنَايَا
يُخَفِّفُ أَعبَاءَ يَومٍ عَصِيبِ ؟
يَقُولُونَ ضَمَّكَ قَبرٌ صَغيرٌ
و قد كُنتَ نَسرَ الفَضَاءِ الرَّحِيبِ
جَنَاحَاكَ مِثلُ جَنَاحَيهِ مُدَّا
بِخَيرٍ عَلَى الأُفْقِ رَغمَ المَشِيبِ
و سَاقَاكَ نَهرا لُجَينٍ أُرِيقَا
عَطاءً و جُوداً بِكُلِّ الدُّرُوبِ
يَمِينُكَ بَيضَاءُ تُورِقُ فُلاًّ
و يُسرَاكَ تَقطُرُ عَذبَ الحَلِيبِ
و وَجهُكَ مِثلُ نُصُوعِ المَرَايَا
و قَلبُكَ غَضٌّ كَعُشبٍ رَطِيبِ
أَبِي : كيفَ أَرثِيكَ يا نَبضَ قَلبِي
أَيَا لَيتَ تَفدِيكَ كُلُّ القُلُوبِ
أَيَا لَيتَ أَنِّي قُبِرتُ فِداءً
لِمَن كَانَ عِندَ السَّقامِ طَبِيبِي
و مَن أَطعَمَتْنِي يَدَاهُ الحَنَانَ
و مَن دَاعَبَتْنِي بِحُبٍّ عَجِيبِ
عَجِبتُ لِطَودٍ يُصَارِعُ مَوتاً
فَلَم يَشكُ مِن عِلَّةٍ أو شُحُوبِ
فَلَمَّا أَتَى أَمرُ رَبٍّ قَدِيرٍ
أَنَاخَ الرِّكَابَ بِقَلبٍ مُنِيبِ
و أَعجَبُ مِن بَيتِنَا لو أَعُودُ
و يَسأَلُنِي صَمتُهُ عَن حَبِيبِي
و يَنظُرُ لي بَابُهُ فِي ذُهُولٍ
كَنَظرَةِ طِفلٍ يَتِيمٍ كَئِيبِ
يَقُولُ مَضَى مَن تَحَرَّقَ شَوقاً
لِلُقيا البَعيدِ و لُقيا القَرِيبِ
و لم يُغْلِقنِّي إذا جَنَّ ليلٌ
أو افتَرَّ صُبحٌ بِوَجهِ الغَرِيبِ
سَيَشتَاطُ عُكَّازُك الغضُّ غيظاً
و يَبكِيكَ في جَيئَةٍ أو ذُهُوبِ
و رُكنٍ تَرَكتَ لَهُ الذِّكرَيَاتِ
سَيَذكُرُ وِردَكَ وقتَ الغرُوبِ
و مَكتَبةٍ كَانَ نَبضُكَ فِيهَا
تَنُوءُ بِكُتْبِ الفِرَاقِ الرَّهِيبِ
فَمَن ذا سَيَمسَحُ عَنهَا الغُبَارَ
إذا ما تَرَاكَمَ مِثلَ الكَثِيبِ
أبي : إنَّ سَلوَايَ أَنَّكَ مِتَّ
لتحيى هناكَ جِوارَ الحَبِيبِ
و أَنَّكَ لَبَّيتَ دَعوَةَ رَبِّي
بِقَلبٍ نَدِيٍّ و صَدرٍ رَحِيبِ
سَأَبكِيكَ أَبكِيكَ مَا دُمتُ حياً
و أَلقاكَ أَلقاكَ عَمَّا قريبِ
فيا رَبُّ كُن بالحَبِيبِ رحيماً
و يا جنَّةَ الخُلدِ سُكنى فطِيبي