في رثاء النفس - جمال مرسي

هو العمرُ ساعاتٌ تَمُرُّ ، و لا ندري
أَيُختَمُ بالخيراتِ عُمرٌ أمِ الشَّرِّ

فلا يفرحَنْ لاهٍ و يغتَرُّ ماجِنٌ
فما بعد قَصْرٍ في الحياةِ سوى القبرِ

و لا يَحسَبَنْ مُستهتِرٌ أنَّ رَبَّهُ
نَسِيٌّ ، مَعاذَ اللهِ ، بلْ صَاحبُ الأمرِ

إذا قالَ كُنْ للشيءِ في أي لحظةٍ
يَكُنْ نافِذاً أمرُ القديرِ على الفَوْرِ

تَفَكَّرتُ في شيْبٍ غزاني ، و لمْ أَزَلْ
صغيراً على شيْبٍ تناثَرَ كالدُّرِّ

فقلتُ: جنودُ اللهِ تُنذِرُ غافلاً
بزحفٍ توالى كلَّ يومٍ على الشَّعرِ

فهل يستفيقُ القلبُ من بعدِ غفوةٍ
أمِ استعذَبَتْ دَقَّاتُهُ رِبقَةَ الأسرِ ؟

و هل آنَ لليلِ الذي طالَ مُكثُهُ
رحيلٌ ، فما أقسى الحياةَ بلا فجرِ

نَظَرتُ إلى خمسينَ ولّتْ ، رأيتُها
كتاباً ، حَوَت صفْحاتُهُ رحلةَ العمرِ

قرأتُ الذي بين السطورِ ، وجدتني
(و خمسينَ مَرَّت) نقطةً آخرَ السطرِ

بقايا اْمرئٍ قد ضَعضَعتْهُ يدُ الهوى
و غَالتْ أمانيهِ العِذابَ يدُ الدَّهرِ

و يا طالما الإبحارُ أغرى سفينَهُ
فما نالَ من بحرٍ سوى قبضةِ الصِّفرِ

و كم لامَسَتْ أقدامُهُ أرضَ فتنةٍ
و أغرتهُ غِيدٌ ، كُنَّ في نَضرةِ البدرِ

و كم ضاقت الدنيا عليهِ ، فلم يكن
..إذا اشتدت البلوى.. سوى جلمدٍ صخرِ

صَبورٍ على دِقِّ الأمورِ ، جليلِها
و هل خابَ في دنياهُ مَنْ لاذَ بالصبرِ ؟

خليليَّ إنْ مِتُّ اْذكراني بطيِّبٍ
و لا تفضِحَا أمري و لا تهتِكا سِتري

و كُونا على عهدٍ قطعنا ، فلم أزل
وفياً على عهدي ، أميناً على سِرِّي

و إن شئتما بَوْحاً فقولا لزوجتي
قرينُكِ لم يغدِرْ ، و لا اقتاتَ من غدرِ

و لا أطعمَ البيتَ الذي كنتِ شمسَهُ
حراماً..كذا طبعُ الشريفِ.. مع الفقرِ

و ما من رصيدٍ عندَهُ غيرِ حُبِّهِ
و حبرٍ و قرطاسٍ و بيتٍ من الشِّعرِ

يقول اقرأي يا أم رامي و رتِّلي
على روحِهِ إن مات آياً من الذكرِ

و قولا لمن أحببتهم إنني امرؤٌ
إلى اللهِ أسعى جاهداً ، فاقبلوا عذري

لعلِّي إذا ما أُحكِمَتْ قبضةُ النَّوَى
أَكُنْ ذكرةً في خاطرِ الأصدقا تسري

فإن كنتُ قد أخطأت يوماً ، فسامحا
و إلا فَخُسرٌ إنْ تَكَفَّنْتُ في وزري

و لا تحرما خِلاً إذا أُودِعَ الثرى
دعاءً ، عسى يجديهِ في وحشةِ القبرِ