امرأةٌ مِنْ هَديل - حسن شهاب الدين

كانتْ تعتِّقُ في لحْنٍ أنوثتَها
وتتركُ البحرَ مصبوغاً بحِنَّائي
تخطو وترسمُني وشماً على جسدٍ
تنامُ فيه سماءٌ دونَ إغفاءِ
ترمي عليَّ زماناً لم يكنْ صدئاً
وفضةً من براءاتٍ وأنداءِ
عبيرُ تطلقُ أسراباً على بدني
من الفراشاتِ تستدني لظى مائي
تضيئُني عُشْبَ موسيقي كواكبُها
أضيئُها عتمةً في دربِ إطفائي
لها حريقٌ بدائيٌّ ولي امْرأةٌ
من الهديلِ مشتْ في لونِ أصدائي
تقولُ هلْ تُنْبتُ الأمطارُ ذاكرةً
تعيدُني حين تنسى ظِلَّ أشيائي
لم انسكبْتَ حنيناً في عراءِ دمي
قلتُ: اسْكُني لغتي.. اتَّشِحي بأسمائي
نبشْتِ تاريخَ صمتي فارتدي وجعي
يا لثغةً عبرتْ آفاقَ هوجائي
***
كشاعرٍ كانَ أرمي نَرْدَ قافيةٍ
لعـلَّ آلهـةً تدنو لإصـغاءِ
أعلـِّقُ الروحَ في قنديلِ موعدِها
وأسرجُ اللونَ في لوحاتِ فوضائي
يدنو فضاءٌ نُحاسيٌّ فيطعنُني
بغيمةٍ رحلتْ في صوتِ عذراءِ
خمسٌ وعشرون لحناً تحتَ معطفِها
تأوي إليَّ فأنسى وجهَ ضوضائي
أقول: مَنْ أنتِ.. هل أشعلتِ آنيةً
بالوردِ فاشتعلتْ شُرْفاتُ إمسائي
وهل رميتِ بها مهوى قصائدِنا
فمزَّقتْنا شظايا لحنِ إغواءِ
أنتِ انتعلتِ سماواتٍ وأوديةً
فلا جهات لصوتي.. أنتِ أنحائي
المجدليـَّةُ في عينيكَ دامعةٌ
وأنت تغتفرينَ الآن أخطائي
فتمتمي كي ينامَ البرقُ فوق يدي
فقد تركتُ شتائي في مَدًى ناءِ
****
لغيمةٍ تركتْ ظلاًّ على شجرِ
النِّساءِ أتلو طقوسي دونَ إيحاءِ
أرجوحةُ الموجِ تعلو في سماءِ دَمِي
كالصمتِ في رئةٍ تهفو لإفضاءِ
إذنْ سأذكرُ بنتاً في خطوطِ يدي
تمشي وأقرؤها في صمتِ إضنائي
عبيرُ أيُّ حروفٍ تلكَ تختصرُ
الكونَ /الطفولةَ/ إشراقات حوَّاءِ
عبيرُ ترحلُ في كلِّ اللغاتِ إلى
مدائنِ السحرِ في معراجِ لألاءِ
عبيرُ برزخُ صوتي، ثرثراتُ دَمِي
شَكْلُ القصيدةِ، خطْوٌ فوق أضواءِ
قيامةُ الروحِ.. أيقوناتُ معجزةٍ
نبوءةُ الناي.. إيقاعاتُ إيماءِ
هلْ للقصيدةِ ميعادٌ سوى يدِها
توحي لخطوةِ صوتي دربَ إسرائي
تلك الشفيفةُ هلْ ترضى إذا انسكبتْ
قصيدةٌ فوقَ ممشاها بإغراءِ
تلكَ التي ارتبكتْ في ماءِ حَيْرتِها
حين ارتقيتُ مداها دونَ إبطاءِ
****
أعودُ لِلْبَدْءِ كانتْ في نبيذِ دَمِي
تُعتِّقُ الروحَ تبكي بين أعضائي
تُسائِلُ البحرَ دومًا عن حدائقِه
وشاعرٍ ذاهلٍ في قُدْسِه النائي
عن ساحرٍ تستريحُ النارُ في دمِه
ويشعلُ الماءَ في مِرْآةِ إظماءِ
كانتْ تصاحبُ أشجاراً تحادثُها
وتقرأُ الغيمَ.. تدري وَحْيَ إنبائي
تقولُ: كنتُ سماءً قبلما انتثرتْ
مني النجومُ دموعاً فوق ظلمائي
قصيدةَ الرملِ كنتُ اشْتَفَّني ظمئي
حتى اشتعلتُ غيوماً فوق صَحْرائي
وكنتُ ظلاًّ لمِرْآةٍ أكسِّرُها
دوماً وترسمُني رؤيا بلا راءِ
لأنَّني سفرٌ يهمي به مطرٌ
أسدلتُ من ألفِ عامٍ سترَ إخفائي
****
فأسحبُ الموتَ مِنْ آفاقِ ذاهلةٍ
وأتركُ الثلجَ يطفو فوق حسنائي