ذاكرةُ الغياب - حسن شهاب الدين

إذنْ يمضي لأولدَ في رحيلي
ويسكنَ ظلَّ خُطوتِه ذهولي
إذنْ فالروحُ تقبعُ في المرايا
كنرجسةٍ على جسدٍ قتيلِ
أسمِّيه اسْمَه وأعيدُ موتي
وأرسمُ دربَه بدمي العليلِ
هوَ الـ.. هوَ لا سماواتي حروفٌ
فأُشعلَه على ورقِ الفصولِ
ولا صفصافةٌ في غيبِ صوتي
فأسكبَه على وترٍ نحيلِ
أضاءَ دمي وأغمدَ نصلِ نورٍ
بقافيتي ليذكرَه هديلي
وأشعلَ في البراحِ خيولَ روحي
وخضَّبَ باللهيبِ مدى صهيلي
بغيرِ نوافذٍ ترعى سمائي
يباغتُني بموعدِه النبيلِ
ويسكبُ في فضاءاتي ارْتجالاً
نبوءاتٍ ويسكنُ مستحيلي
كأنَّ الأرضَ دائرةٌ بقلبي
إذا النَّهَوَنْدُ أشرقَ في أفولي
سترتحلُ الجهاتُ إلى يديه
سيغفو الليلُ في كونٍ بديلِ
وتضطربُ القصائدُ حين يشدو
وتسكنُ أبجديَّاتِ الذبولِ
****
على آفاقِ معجزةٍ أراهُ
يبيحُ الغيمَ أسرارَ الهطولِ
يبعثرُ ريشَ أغنيةٍ وتغفو
بعينيهِ اخضراراتُ الحقولِ
ضفافُ الغيبِ سُدَّتُه وقلبي
كلؤلؤةٍ بإصبعِه الجليلِ
تصاحبُه عصافيرُ اندهاشي
وليلكةُ التحجُّبِ عن دليلي
له وقتٌ بظلِّ الوقتِ يُعطي
لغيبتِه اكتمالات المثولِ
وأوطانٌ بذاكرةِ الغيابِ/
اللغاتِ/ الريحِ/ أزمانِ الرحيلِ
ولي وطنُ الرمادِ حروفُ تِيهٍ
تصيحُ بأفْقِ خلوتِنا المحيلِ
****
هوَ الـ.. هوَ.. لا أنا.. أنا حين يمضي
ولا أُفُقُ البراءةِ بالطفولي
يودِّعُني وبستانَ اشتعالٍ
تريقُ يداه في أبدِ الخليلِ
وأحرفُه طيورٌ من جحيمٍ
تسوطُ دمي وتوغلُ في سبيلي
سأذكرُه كما يهفو شهيدٌ
لفضَّةِ موعدِ الموتِ الجميلِ
كتيهٍ ساطعٍ يحسو اغترابي
كبرقٍ مُشعلٍ وردَ الأصيلِ
ويذكرُني كما مرَّتْ خيولٌ
برمْلِ الوقتِ في خطوٍ عجولِ
أترحلُ سيِّدَ الكلماتِ عنِّي
وأخبو مثل خيطِ رؤى نحيلِ
وترجمُني سماواتُ التجلِّي
بصمتِكَ إن دُعِيتُ إلى الدخولِ