خربشات على جدار القلب - إبراهيم محمد إبراهيم

(1)
مهزوماً كُنْتُ
فصِرتُ أُجرّدُ سيفي البتّارَ
وأُغمِدُهُ عِدّةَ مرّاتٍ
في عينَيْ كِسرى ..
مُنذُ تعهّدَ (( رَبعِيُّ ))
-في الرّؤيا-
أن يبدأَ
جولَتَهُ الأُخرى
(2)
أتيتُكَ بالقِرْبةِ والعَصا
وقصعةِ الطّعام ِ ،
أسحبُ الدّنيا بما تحوزُ
من قُرونِها ..
وليس لي في حمصَ
مَطمَعٌ-أو غيرِها-
وليس لي فيكَ
ولا سِواكَ في الوَرى ..
أتيتُ والدنيا غُبارُ عابِرٍ
خلفَ متاعِيَ الذي ترى .
لا ناقةَ لي من بعدِها ولا بعيرْ ..
لقدْ نجوتَ يا ((عُميرْ)) .
(3)
خلفَ الشُبّاكِ
حديقةُ أزهارْ .
فيها عُصفورٌ ثرثارْ .
يوقظُني كُلّ صباح ٍ
كيْ أقطِفَ زهرةْ .
ذاتَ مساءٍ ،
داهمني الشّعرُ
فأشعلْتُ الليلَ جُنوناً ،
علّي أخرجُ منهُ الفِكرةْ .
وغفوتُ مع الفجرِ
ليوقِظَني :
ياولدي لا تلعبْ بالنّارْ .
(4)
تبيّنْتُهُ في الظّلام ِ المُفضّض ِ بالنّجم ِ
يحمِلُ عبءَ المبيتِ على كتِفيهِ
ويبحثُ عن حائطٍ لا ينامْ .
وأبصرْتُهُ في الصّباح ِ الفَضوح ِ،
يُغادِرُ مقبرةً في المدينةِ ،
ممتطِياً صهوةَ الرّيح ِ
قبلَ الزّحامْ .
(5)
للشّفةِ العُليا،
شفةُ سُفلى ..
للشفةِ السُّفلى ،
شفةٌ عُليا ..
بينهُما ،
وصلٌ وفِراقْ .
لولاهُ ،
لما كانَ التاريخُ ،
ولا الأشعارُ ،
ولا الأوراقْ .
(6)
خالٍ هذا المقهى ..
يملؤُهُ الصّمتُ ،
من الأبوابِ المفتوحةِ للرّيح ِ ،
إلى الأقداح ِ النّعسانةِ خلفَ النّادِلِ ،
والأكوابِ السّكرى ..
أجلِسُ وحدي ،
فأنا والمقهى،
- بعد غيابِ المهووسينَ
بداء الشّعرِ وبالقهوةِ -
صِرنا ،
كعجوزين ِعلى عُكّازِ اليأس ِ
يعُبّان ِ من الصّمتِ المُرِّ
ويقتاتان ِ على الذّكرى .
(7)
ساجِداً ..
كما تركتُهُ
قبلَ ثلاثينَ سنةْ .
يشكو من الجوع ِ ،
مُطوّقاً بعُروةِ الإمام ِ
والطّقوس ِ الآسِنةْ .
(8)
- بيتُ الشّعرِ المُنهارِ ،
وأشلاءُ الوقتِ .
- دخانُ السّأَم ِ الأحمرُ
تحتَ رمادِ الحربِ ،
- وأحلامُ صقورِ الصّيدِ .
خيوطٌ تتقاطعُ كالحُمّى في صدرِ اليومْ .
تنحرُ في الرّأس ِ الصّحوَ ،
وتشنُقُ في العين ِ النّومْ .
(9)
غيمةٌ من دُخانٍ ،
تَصاعدُ في الجوِّ ،
من فم ِ هذا الخواءِ .
فارِغونَ ،
كتِلكَ الأراجيل ِ
لا أصلَ يربِطُها بالتُرابِ
ولا فرعَ يوصِلُها بالسّماءِ .
(10)
تعثّرَ إبليسُ في السوق ِ
في كعبِ أُنثى من الجِنِّ ،
فانهمَرَ الناسُ من كُلِّ صوبٍ
وشدّوهُ من ساعِديهِ .
وما تركوهُ ، إلى أن أفاقَ ،
وعادَ إلى غيّهِ ،
فاطْمأنّوا عليهِ .
(11)
في الدائرةْ ،
تحرُسُ ألفُ عينٍ ساهِرةْ .
لكنها عمياءْ .
يُعربِدُ الخَرابُ في جُفونِها
في وَضَحِ الظّهيرةْ .
في الدائرةْ ،
ثمّةَ أعيُنٌ ،
تجُسُّ مايُحاكُ في المساءْ ،
بنعمةِ البصيرةْ .
(12)
الوجعُ الليلِيُّ ،
يجيءُ بلا وعدٍ أنّى شاءَ ،
ويرحلُ أنّى شاءْ .
يتخطّفُ في الليلِ بناتَ الشّعرِ
ويشربُ كُلّ بُحوري ..
يأتي بصقيع ِ الصّحراءِ
ويذهبُ بالدّفءِ ،
وبعض ِ الأوهام ِ المحمودةِ بينَ سُطوري
الوجعُ الليلِيُّ حُشودٌ بارِدةٌ ، ليس لها أسماءْ .
تنمو كقُرون ِ الجِنِّ إذا غاض الماءْ .
وتُعربِدُ في أحلام ِ الشاعِرِ
كالعِفريتِ المأمورِ .
تأتي كيف تشاءُ ،
وترحلُ كيفَ تشاءْ .
(13)
كرةٌ هذي الأرضُ
تدورُ ولا تتعبْ .
والناسُ عليها ،
يركلُ كلٌّ صاحبَهُ ..
هذا شأنُ اللاعبِ ،
حين تكون الكرةُ الملعبْ .
(14)
-في الليلِ ، هل ينامُ الليلْ ؟
((تسألُني صغيرتي ))
- أجبتُها : وفي النهارِ ؟ هل يذهبُ النهارُ للمدارسْ؟
- قالت : نعمْ .
- قلتُ : إذنْ ينام الليلْ .
- قالتْ : وأين يفرشُ الليلُ فراشَ نومِهِ ؟
- أجبتُ : مالونُ حقيبةِ النهارْ ؟
- فانتفضتْ : ليس له حقيبةْ .
-أجبتُها : وليس لليلِ فراشْ .
- قالتْ : إذنْ ، ليس ينامُ الليلْ .
- قلتُ : ولا النهارُ يعرفُ المدارسْ .