خَلُّوا السجُوفَ تُذِعْ مَجْلَى مُحَيّاها - علي الجارم

خَلُّوا السجُوفَ تُذِعْ مَجْلَى مُحَيّاها
وتَنْشُرُ المسكَ من أنفاسِ رَيّاها

عقيلة ٌ في جلال المُلْكِ ناعمة ٌ
النبلُ يحرُسُها واللَّه يَرْعاها

ودُرَّة ٌ لم تَرَ الأصدافُ مُشْبههَا
بينَ الكُنوز الغَوالي من خباياها

وزهرة ٌ ما رأى النيل الوفي لها
بين الأزاهر في واديه أشباها

ترنو إليها نجومُ الأفْقِ مُعْجَبَة ً
تَوَدُّ لو قَبَسَتْ من نورِ مرْآها

كأنَّما قَطَراتُ المزْنِ صافية ً
فوقَ الخمائِل طُهْرٌ في سجاياها

أميرة َ النيلِ والأيامُ مُسْعِدة
بلغتِ من ذِرْوة ِ العلياءِ أقصاهَا

إنْ يسطَعِ الصبح قلنا الصبح أشبههَا
أو يسطع المسكُ قُلنا المسكُ حاكاها

مجدٌ تمنَّتْ سماءُ الأفْقِ لو ظَفِرتْ
بلمحة ٍ من ثُرَيّاه ثُريّاهَا

ونفسُ طاهرة ِ الجدَّينِ يَسَّرَها
ربُّ البَريَّة ِ للحُسنَى وزَكّاها

اليُسْرُ يختالُ تيهاً حَوْلَ يُسْراها
واليُمْنُ يجري يميناً حَوْلَ يُمناها

نَمَتْ بظلِّ فؤادٍ خيرِ مَنْ وَجَدَتْ
بظِله زُمرُ الآمالِ مَثْواها

أحيتْ له مصرُ ذِكْراً خُطَّ من ذَهَبٍ
على جَبينِ الليالي حينَ أَحْياها

وكان عنْوانَها الغالي الذي اتجَهَتْ
إليه باسطة َ الأيديِ فأعلاها

أميرة َ النيلِ غَنّى الشعْرُ من طَرَبٍ
في ليلة ٍ غَنّتِ الدنيا بِبُشْراها

طافْت كُئوسُ التهانِي وهي مُتْرَعَة ٌ
من المُنَى فانتشينا من حُمَيّاها

تجمّعَ الأنسُ حتى لم يَدَعْ أملاً
للنفسِ تَبْعَثُ شوقاً خَلْفَه واها

في ليلة ٍ من سوادِ العينِ قد خِلُقَتْ
جَلَّ الذي من سوادِ العينِ جَلاَّها

يخالها الفجر فجراً حين يَطْرُقُها
فيختفي من حَياءٍ في ثناياها

كأنّها بَسَماتُ الغِيدِ قد ملأَتْ
بالحبِّ والبِشْرِ أحداقاً وأفواها

كانت يداً من أيادي الدهر أرسلها
بيضاءَ مُشْرِقة َ النُعْمَى وأسْداها

هنا زِفافٌ وفي الأفْلاكِ هاتفة ٌ
من الملائِك تدعو ربَّها اللّه

لها أناشيدُ في الأسماعِ ساحرة ٌ
لو كنَّ من لُغَة ِ الدنيا رَوَيْناهَا

لكنها نفَحاتُ اللهِ خَصَّ بها
من البرِيَّة أنْقاها وأصْفاها

فوزية ٌ دُرّة ُ التاجِ التي لمعتْ
فوقَ الجبينِ فحيَّتْه وحيّاها

شعُوب مصْرَ تُفدِّيها ولو نطقْت
للنيلِ ألسنة ٌ فُصْحٌ لفدّاها

أميرة َ النيلِ غَنّى الشعرُ من طَرَبٍ
لولا قِرانُك ما غَنّى ولا فاها

إنّي وألحانَ شعري صُنْعُ بيتِكُمُ
فكم من الفضلِ أولاني وأولاهاا

لولا مدائحُكم ماكان لي قَلَمٌ
يوماً على الأيْكِ وابنِ الأيك تيَّاها

تَأَلّقى بَسْمة ً زَهْراءَ مُشْرِقَة َ
بأرضِ إيرانَ أنتِ اليومَ دُنياها

كوني بها قُرّة ً للعينِ غالية ً
فأنتِ أكرمُ من لاقتْه عَيناها

ومثِّلي مصرَ والشَأوَ الذي بلغَتْ
فأنتِ أصْدَقُ بُرهانٍ لدعَوْاها

لقد قطفنا لكِ الأزهارَ باسمة ًوقد جمعنا من الألحانِ أُغْنِية ًلو يفهمُ الطيرُ معناها لغنَّاها
وفي عقودٍ من الفصْحَى نظمناهاسقط بيت ص

ولم نَدعْ من رموزِ السحْر سانحة ً
طافت بمعنى العُلا إلاّ لمحناها

قد ذكّرَتْنا لياليكِ التي سَطَعَتْ
أفراحَ قَطْرِ النَّدَى والعزَّ والجاها

عُرْسُ الأمانِّي أحيا كلَّ ذي أملٍ
وطافَ بالغُلَّة ِ الظَمْأَى فروَّاهَا

وليلة ٌ ظَفِرَ الشَّعْبُ الوَفُّي بها
وكم على الدهرِ مَشْغُوفاً تمنَّاها

في كلِّ بيتٍ أغاريدٌ مُرَدَّدَة ٌ
سَرَتْ فجاوز نجْمُ الليل مَسْراها

وكلُّ روضٍ يُرْجِّي لو سعتْ قَدَمٌ
به ليُهْدِي من الأزهارِ أزْكَاها

وكم تمنّى الربيعُ النَضْرُ لو سَعِدَتْ
بحلَّة ِ العُرْسِ كَفّاهُ فَوَشّاها

البِشْرُ يضحكُ والدنيا مُصَفِّقة ٌ
يهتَزُّ من نَشْوة الأفراحِ عِطْفاها

يا ابن الأماجِد من ايرانَ نلتَ يَداً
أصفى من الكوكب الدُرِّيِّ أمْواها

بَنْيتمُ الملكَ فوقَ الشمسِ من هِمَمٍ
شمّاءَ مَنْ خَلَقَ الأطوادَ أرْساها

لم يَتَّخذْ من مَنارٍ يستضيءُ به
لدَى الشدائدِ إلاَّ العَزْمَ والشاها

جلالة ٌ كم تَغَنّى البُحتُريُّ بها
وكن تَرَنَّمَ مِهْيارٌ بِذكْراها

ودولة ٌ للعُلا والسبقِ حاضِرُها
وللخلودِ وللإبداعِ أولاها

لنا صِلاتٌ قديماتٌ مُحَبَّبة ٌ
لخدمة َ الدينِ والفُصْحَى عقدناها

ثقافة ُ الفُرْسِ قد كانت ثقافَتَنا
في كلِّ ناحية ٍ عنهم أخذناها

تأَلّقَتْ في بني العباسِ آونة ً
ماكانَ في أعْصُرِ التاريخِ أزْهاها

فاروقُ كم لكَ عندَ النيلِ من مِنَنٍ
كصفحة ِ الشمسِ بيضٍ ليس ينساها

وصلْتَ مِصْرَ بإيرانٍ كما اتصلتْ
فرائدُ العِقْد أغلاها بأغلاها

مصرُ المَجيدة ُ تُزْهَى في حِمَى ملكٍ
لولاه لم تُشْرِق الدنيا ولولاها

سعَى إلى المجد نهّاضاً فأنهضها
للّهِ والحقِّ مَسْعاه ومسعاها

في كلِّ نفسٍ له ذِكْرَى مُخّلدة ٌ
وصورة ٌ من جلالٍ في حناياها

شمائلُ السلَفِ الأطهار شِيمتُهُ
لمّا تجلَّت بفاروقٍ عَرفناها

سَجيَّة ٌ من فؤادٍ فيه قد رَسَخَتْ
إذا دعتْ للعُلا والمجد لبّاها

في ساحة ِ الجيش حَيَّتْه فوارسُه
وفي المساجِد حَيَّاه مُصلاّها

له أيادٍ على الأيامِ سابغة ٌ
في كلِّ جيدٍ من الأيام نُعْماها

يا أُسْرَة َ المُلْكِ صاغَ الشعْرُ تهنئة ً
من حبَّة ِ القلب معناها ومبناها

أهدَى الوفاءَ جميلاً حِين أرسلها
وأرسل الوُدّ مَحْضاً حين أهداها

لازال مُلْكُكُمُ جَمّاً بشائرُه
ونال من بَسَماتِ الدّهرِ أسْناها

وعاش للنيلِ ربُّ النيلِ سَيِّدُه
وللرعيَّة ِ والآمالِ مولاها