مَنْ سَلَبَ الأعْيُنَ أنْ تَهْجَعَا - علي الجارم

مَنْ سَلَبَ الأعْيُنَ أنْ تَهْجَعَا
وبَزَّ ذَاتَ الطَّوْقِ أنْ تَسْجَعَا

ومَنْ رَمَى بالشوْكِ في مَضْجَعِي
فَبِتُّ مَكْلُومَ الْحَشَا مُوجَعَا

رَوَّعَنِي واللَّيْلُ في زِيِّهِ
مِنْ مُرْجِفاتِ الْخَطْبِ ما رَوَّعَا

طاحَتْ بِأَهْلِ الْغَرْبِ نارُ الْوَغَى
وهَبَّت الريحُ بِهِمْ زَعْزَعا

طافَ عَلَيْهِمْ بالردَى طائِفٌ
فَاخْتَرَمَ الأَنْفُسَ لَمَّا سَعَى

وصاحَ فيهِمْ لِلتَّوَى صائِحٌ
فَصَمَّتِ الأَسْماعُ مُذْ أَسْمَعا

في الْبَرِّ في الْبَحْر ومِنْ فَوْقِهِمْ
لم يَتْرُكِ الْمَوْتُ لَهُمْ مَوْضِعا

يَجْمَعُهُمْ جَبَّارُهُمْ عَنْوَة ً
وإِنَّما لِلْمَوْتِ مَنْ جَمَّعا

يَحْسُو دَمَ القَتْلَى فَأَظْمِىء بِهِ
ويَنْهَشُ اللَّحْمَ فما أَجْشَعَا

لم يَكْفِهِ رُمْحٌ ولا مُرْهَفٌ
فاتَّخَذَ المنطادَ والْمِدْفَعا

وَخَبَّ فِيها راكِباً رَأْسَهُ
لِلشرِّ ماخَبَّ وما أَوْضَعا

قَدْ غَصَّتِ الأرْضُ بأشْلاَئِهِمْ
وأصْبَحَ الْبَحْرُ بِهَا مُتْرَعَا

وآن لِلْعِقْبَانِ أَنْ تَكْتَفي
وآنَ لِلْحِيتَان أنْ تَشْبَعَا

صَوَاعِقُ الْمُنْطَادِ لاتُتَّقَى
وصَوْلَة ُ الألغام لن تدفعا

أُطْلِقَ عَزْرائِيلُ مِنْ قِدِّهِ
أنّى شاء أن يرتعا

تُطْرِبُهُ الْحَرْبُ بأَزْجالِها
ويَسْتَبِيه السَّيْفُ إِنْ قَعْقَعَا

كأنَّما في صَدْرِهِمْ غُلَّة ٌ
أَبَتْ بِغَيْرِ الْمَوْتِ أَنْ تُنْقَعَا

كأَنَّهُمْ سِرْبُ قَطاً عُطَّشٍ
صَادَفْنَ مِنْ وِرْدِ الرَّدَى مَشْرَعَا

كَأَنَّهُمْ والنَّارُ مِنْ حَوْلِهِمْ
جِنٌّ تَأَلَّوْا أنْ يَبِيدُوا مَعَا

صارُوا مِنَ الْعِثْيَرِ في ظُلْمَة ٍ
لاتُبْصِرُ الْعَيْنُ بِهَا الإِصْبَعَا

كَمْ فارِسٍ يَمْرَحُ في سَرْجِهِ
يَهْتَزُّ كَالْغُصْنِ وقَدْ أَيْنَعَا

كَأَنَّهُ الصَّمْصَامُ إذْ يُنْتَضَى
وعامِلُ الرُّمْحِ إِذا أُشْرِعَا

ماضَنَّ بالرِّفْدِ على وَافِدٍ
ولا لَوَى حَقّاً ولا ضَيَّعَا

تَمْشِي بَناتُ الْحَيِّ في إِثرِهِ
يَرْشُقْنَهُ بِالزهْرِ إِذْ وُدِّعا

مِنْ كُلِّ بَيْضاءِ الطُّلَى طَفْلَة ٍ
أَسْطَعَ مِنْ بَدْرِ الدجَى مَطْلَعا

تَكُفُّ غَرْبَ الدَّمْعِ أَنْ يُرْتَأَى
وتَحْبِسُ الزفْراتِ أنْ تُسْمَعا

لَجَّ بِهِ الْمَوْتُ فأوْدَى بِه
وحَزَّ مِنْهُ الليتَ والأَخْدَعا

ماتَ فلا قَبْرٌ لَهُ ماثِلٌ
ولا بَكَى الْباكِي وَلا شَيَّعَا

سَلْ ليجَ ما حلَّ بأَرْجَائِهَا
فقد غدتْ أرجاؤُهَا بَلْقعَا

واسْأَلْ نَمُوراً مادَهَى أَهْلَها
فقدْ نَعاهَا البَرْقُ فيما نَعَى

وسائِلِ الروْضَ ذَوَى نَبْتُهُ
وسائِلِ الأطْلالَ والأَرْبُعَا

باريسُ والْعُسرَى إِلَى يَسْرَة ٍ
وغايَة ُ الْعارِضِ أَنْ يُقْشِعَا

أَعَزَّكِ الْخَطْبُ بِأَوْجالِهِ
وَكُنْتِ عُشَّ النسْرِ أَوْ أَمْنَعا

كُنْتِ لِطُلاَّبِ الْهُدَى مَعهَداً
وَكُنْت رَوْضاً لِلْهَوَى مُمْرِعا

ما أحْسَنَ السِينَ وجِيرَانه
وأَحْسَنَ الْمُصْطَافَ والْمَرْبَعاا

أَرِيعَتِ الْحَسْناءُ في خِدْرِها
نَعَمْ دَعاها الذعْرُ أَنْ تَهْلَعَا

عَهْدي بِها كانَتْ نَؤُومَ الضُّحَى
مَلُولة ً ناعِمِة ً رَعْرَعا

ما خَطْبُها والنارُ مِنْ حَوْلِها
والْمَوْتُ لم يَتْرُكْ لها مَفْزَعا

ضَرَاغِمَ الْماءِ ثِبُوا وَثْبَة ً
آنَ لِهَذَا الْغِيلِ أَنْ يُمْنَعا

دَعَاكُمُ الْجَارُ فَكُنْتُمْ إِلَى
دُعائِهِ مِنْ صَوْتِهِ أَسْرَعا

وَسِرْتُمُ لِلْمَوتِ في جَحْفَلٍ
ما ضَمَّ رِعْدِيداً وَلاَ إمَّعا

مِنْ كلِّ شَعْشَاعٍ خَفِيفِ الْخُطَا
ذِي مِرَّة ٍ مُنْجَرِدٍ أَرْوَعا

لَوْ مَادَتِ الأَجْبالُ مِنْ تَحْتِهِ
أَوْ خَرَّتِ الأفْلاَكُ ما زُعْزِعا

سَلُوا بِحَارَ الأرْضِ عَنْ مَجْدِكُمْ
إِنَّ بِهَا سِرّاً لَكُمْ مُودَعا

كَانَتْ وَلاَ زَالَتْ لَكُمْ سَاحَة ً
تَبْنُونَ فِيها الشرَف الأفْرَعا

تَهْوَى طُيُورُ الْماءِ أَعّلاَمَكُمْ
فَتَقْتَفِيهَا حُوَّماً وُقَّعا

قَدْ طافَ نِلْسُنْ حَوْلَ أُسْطُولكُمْ
مُسْتَصرِخاً غَضْبَانَ مُسْتَفْزِعا

يُغْضِبُهُ يا خَيْرَ أَشْبالِهِ
أَنْ يَبْلُغَ القِرْنُ بِكُمْ مَطْمَعا

يَا خَالِقَ النَّاسِ طَغَى شَرُّهُمْ
فَاهْدِ الْحَيَارَى واكشِفِ الْمَهْيَعا

لم يُشْبِهُوا الإِنسانَ في خَلَّة ٍ
وأَشْبَهُوا الْحَيَّاتِ والأَسْبُعا

قَدْ رُفِعَ الإِحْسانُ مِنْ بَينِهِمْ
وأوشَكَ الإِيمانُ أَنْ يُرْفَعا

لَوْلاَ سَنَا هَدْيِكَ في بَعْضِهمْ
لَدُكَّتِ الأرْضُ بِهِمْ أَجْمَعا