صوّرَ الله فيكِ معنى الخُلُودِ - علي الجارم

صوّرَ الله فيكِ معنى الخُلُودِ
فابلُغى ما أردتِه ثمَّ زيدِي

أنتِ يامِصْرُ جَنَّة ُ اللّهِ في الأرْض
وعَيْنُ العُلاَ وَوَاوُ الوجود

أنتِ أمُّ المَجْدَيْنِ بَيْنَ طَرِيفٍ
يتَحَدَّى الوَرَى وبَيْنَ تَلِيدِ

كم جديدٍ عليه نُبْلُ قديمٍ
وقديمٍ عليه حُسْنُ جديدِ

قد رآك الدهرُ العَتِيُّ فَتاة ً
وهو طِفلٌ يلهو بِطَوْقِ الوليدِ

شابَ من حَوْلكِ الزمانُ ومَاَزلْ
تِ كغُصْنِ الرَّيْحانَة ِ الأُمْلُودِ

أنتِ يا مِصْرُ بَسْمة ٌ في فم الْحُسْ
نودمعُ الْحَنانِ فوقَ الْخُدُودِ

أنتِ في القَفْرِ وَرْدَة ٌ حَوْلَهاَ الشُّوْ
ك وفي الشوك عِزَّة ٌ لِلْوُرُودِ

يَلْثمُ البحرُ مِنْكِ طِيبَ ثغُورٍ
بَيْنَ عَذْبِ الَّلمَى وبَيْنَ بَرُودِ

يَابْنَة َ النيلِ أنتِ أحْلَى مِنَ اُلْحُ بِّ وأّزْهَى من ضاحِكاتِ الوُعُودِ

نَثَرَ النيلُ فيك تِبراً وأوْهَى
لِينُهُ من قسَاوة ِ الْجُلْمودِ

فَتَنَ الأَوَّلِينَ حَتَّى أشارُوا
نحو قُدْسِيِّ مائهِ بالسُّجُودِ

وَوَشَى للرِّيَاضِ ثوباً وَحَلَّى
كلَّ جِيدٍ من الرُّباَ بعُقُودِ

أنتِ للاّجِئينَ أُمٌّ وَوِرْدٌ
لِظِماءِ القلوبِ عَذْبُ الورودِ

قدْ حَمَلْتِ السِّراجَ للناسِ وَالكَوْ
نُ غريقٌ في ظُلْمِة ٍ وَخُمودِ

لا نَرى فيك غير عهدٍ مَجيدٍ
قَرَنتْهُ العُلاَ بعهدٍ مَجِيدٍ

وجُهودٍ تَمثَّلَتْ في صُخُورٍ
وصخورٍ تشبَّهتْ بجُهُودِ

عِظَمٌ يَبْهَرُ السَّمَاءُ وشَأْوٌ
عَاقَ ذات الْجَناحِ دُونَ الصُّعُودِ

أنتِ يامِصْرُ صَفْحَة ٌ مِنْ نُضَارٍ
لَمَعَتْ بَيْنَ سَالِفَاتِ العُهُودِ

أيْنَ رَمْسِيسُ والكُمَاة ُ حَوَاَليْ
هِ مُشاة ٌ في الموْكِب المشْهُودِ

مَلأَالأرضَ والسماَءَ فَهذِي
بجنودٍ وهذِهِ بِبُنُودِ

وجُموعُ الكُهَّانِ تهِتفُ بالنَّصْرِ
وتتلو النّشيدَ إثْرَ النَّشيدِ

وبناتُ الوادِي يَمِسْنَ اخْتِيالاً
ويُحيّين بين دُفٍّ وَعُودِ

أين عَمْرٌو فتى العُرُوبة والإِقْدامِ
أَوْفَى مُجاَهدٍ بالعقودِ

شَمّريٌّ يُحَطِّمُ السَّيفَ بالسَّيْ
فِويرمِي الصِّنديدَ بالصِّندِيدِ

لَمْ يكن جَيْشُه لدَى الزَّحْف إِلاَّ
قُوَّة َ الَعزْمِ صُوِّرتْ في جُنودِ

قِلَّة ٌ دَكَّتْ الحُصون وبَثَّتْ
رِعْدَة َ الرُّعْبِ في الْخِضَمِّ العَدِيدِ

ذُعِرَ الموت أنَّهم لَمْ يَخافُو
هُ ولم يَرْهَبوا لِقاءَ الحديدِ

ينظرون الفِرْدَوْسَ في ساحة ِ الْحَرْ
بِ فيستعجلون أجْرَ الشَّهيدِ

صَعِدُوا للعُلاَ بريشِ نُسُورٍ
ومَضَوْا للرَّدَى بِعَزْمِ أسُودِ

أينما ركَّزُوا الرِّماحَ ترى العَدْ
لَ مُقيماً في ظِلِّها الَممْدودِ

وترى المُلْكَ أَرْيحِيَّا عَلَيْهِ
نَضْرة ٌ من سَمَاحَة ِ التَّوحيدِ

وترَى العزمَ عابِساً لُوثُوبٍ
وتَرى السيفَ ضاحكاً في الغُمُوِدِ

وترى العِلْمَ يلتقي بهُدَى الدَّين
على مَنْهَجٍ سَوِيٍّ سديدِ

ملكُوا الأرضَ لم يُسيئوا إِلى شَعْبٍ
ولم يحكموه حُكْمَ العبيدِ

هُمْ جُدُودِي وَأينَ مِثْلُ جُدودي
إن تَصَدَّى مُفاخرٌ بالجدُود

فَسَحُوا صَدْرَهُم لحِكْمِة يُونَا
نَ وآدابِ فارسٍ والهُنُودٍ

وأصاروا بالتَّرجَماتِ علومَ الرُّو
مِ وِرْداً للنَّاهِلِ المستفيدِ

حَذَقوا الطِبَّ والزمانُ غُلاَمٌ
والثقافاتُ رُضَّعٌ في المُهُودِ

وَشُعوبُ الدنيا تُعالِجُ بالسّحْ
رِ وحَرْق البَخُّورِ والتَّعقيدِ

هَلْ ترى لابن قُرَّة ٍ من مثيلٍ
أو تَرَى لابن صاعدٍ من نديد

والطبيبُ الكِنْدِيُّ لم يُبْقِ في الطَّ
بِّ مَزِيداً لحاجة ِ المسْتَزِيدِ

أين أين الرَّازيُّ أين بَنُو زُهْرٍ
دُعاة ُ النُّهُوضِ والتَّجْدِيدِ

وابنُ سِينا وأينَ كابنِ نَفيسٍ
عَجَزَ الوَهْمُ عن مداه المَديدِ

هذه أُمَّة ٌ من الصَّخرِ كانت
في قِفَارٍ من الحياة وَبِيدِ

تأكُلُ القَدَّ والدُّعاعَ من الجُو
ع وتَهْفُو شوقاً لِحَبِّ الْهَبِيدِ

وتُثِيرُ الحروبَ شَعْواءَ جهْلاً
وتدُسُّ الوَئيدَ إثْرَ الوَئيدِ

نَبعَ النورُ بالنُّبُوَّة ِ فِيهَا
فطَوَى صفحة َ الَّلياليِ السُّودِ

ومَضى يملأُ الممالكَ عَدْلاً
بَاسِمَ الوعْدِ مُكفَهِرَّ الوَعيدِ

أَطْلَقَ العقلَ من سَلاَسِلهِ الدُّهْمِ
ونحّاه عن صَلَيلِ القُيُودِ

بَلغَتْ مِصرُ في التَّآلِيف أوْجًا
فات طَوْقَ المُنَى ِ بمَرْمًى بَعِيدِ

فاسأل الفاطِميَّ كَمْ من كتابٍ
زَان تاريخَهُ وسِفْرٍ فِريدِ

والصَّلاحِيُّ والمماليكُ كانوا
مَوْئِلَ العِلْمِ في عُصورِ الرُّكُودِ

تلك آثارُهُمْ شُهُوداً عَلَى المَجْ
دِومَاهُمْ بحاجَة ٍ لشُهُودِ

اتَّئِدْ أيّها القَصِيدُ قَلِيلاً
أنا أرتاحُ لاتِّئاد القَصيدِ

وإذا ما ذكرتَ نَهْضَة َ مِصْرٍ
فامْلأ الْخَافِقَيْنِ بالتَّغْرِيدِ

ثم مَجِّدْ مُحمَّدًا جَدَّ إِسْمَا
عيلَ واصْعَدْ ماشئتَ في التّمْجِيدِ

جاءَ النَّاسُ في ظَلامٍ من الظُّلْ
مِ وعَصْفٍ من الخُطُوبِ شَديدِ

حَسَراتٌ للذُّلِّ في كل وَجهٍ
وسِمَاتٌ للغُلِّ في كلِّ جِيدِ

فَأَزَاحَ الغِطَاءَ عنهم فقاموا
في ذُهُولٍ وأقْبَلُوا في سُمُودِ

وهَدَاهُمْ إلى الحياة ِ فَسَارُوا
في حِمًى من لِوَائِهِ المَعْقُودِ

كَمْ بُعُوثٍ للغَرْبِ بَعْدَ بُعُوثٍ
وَوفُودٍ للشرقِ بَعْدَ وُفودِ

غَرَسَ الطبَّ في ثَرَى مُلْكِهِ الخَصْبِ
ورَوَّى من دَوْحِهِ كُلَّ عُودِ

وأَتَى بَعْدَهُ المجدَّدُ إسْمَا
عِيلُ ذُخُر المُنَى ثِمَالُ الْجُودِ

وَ فُؤَادُ تعيشُ ذِكرَى فُؤَادٍ
في نَعيمٍ من رَحْمة ٍ وخُلُودِ

رَدَّ مَجْدًا لِمِصْرَ لَوْلاَ نَدَاهُ
وَحِجَاهُ ما كانَ بالمَرْدُودِ

كلَّ يوْمِ لَهُ بناءٌ مَشِيدٌ
للمعالي إلى بِنَاءٍ مَشِيدِ

ما اعْتَلَى الطِبُّ قِمَّة َ النَّجْمِ إلاَّ
بجِنَاحٍ من سَعْيِه المَحْمُودِ

سَعِدَتْ مِصر بالْجِهَابِذِ في الطِبَّ
فكَمْ مِنْ مُحاضِرٍ ومُعِيدِ

وَعَلَى رَأْسِهِمْ أبو الحسن الْجَرَّا
ح مَنْ كَالَّرئِيس أَوْ كَالعَمِيِد

أيُهَا الوَافِدُونَ من أمَمِ الشَّرْ
قِ وأشْبَاله الأُبَاة ِ الصِّيدِ

اِهْبِطُوا مِصرَ كَمْ بِهَا مِن قلوبٍ
شَفَّهَا حُبَّكُمْ وكَم منْ كُبُود

قَدْ رَأيْنَا في قُرْبِكُمْ يَوْمَ عِيدٍ
قَرَنَتْهُ المُنَى إلَى يَوْمِ عِيد

إِنَّ مِصراً لكم بلادٌ وأهْلٌ
لَيْسَ في الْحُبِّ بَيْنَنَا من حُدُود

جَمَعْتَنَا الفُصْحَى فما من وِهَادٍ
فَرَّقَتْ بَيْنَنَا وَلا من نُجُودِ

يَصِلُ الحِبُّ حَيْثُ لا تصِلُ الشَّم
س ويجْتَازُ شَامِخَاتِ السُّدُودِ

أُمَّة َ العُرْبِ آن أنْ يَنهَضَ النِّسْرُ
فَقَدْ طَالَ عَهْدُهُ بالرُّقُودِ

صَفِّقِي باَلْجناحِ في أُذُنِ النَّجْمِ
وَمُدِّي فَضْلَ العِنَانِ وسودِي

وأعِيدِي حَضَارة ً زانتْ الدُّنْيَا
فكم وَدَّتِ المُنَى أَنْ تُعِيدي

إنَّمَا المَجْدُ أَنْ تُرِيدِي وَتَمْضِي
ثُم تَمْضِي سَبَّاقَة ً وَتُريدِي

لا يَنَالُ العُلاَ سِوَى عَبْقَرِي
راسِخِ العَزْمِ كالصَّفَاة ِ جَلِيدِ

قَدْ أَعَدْنَا عهْد العُرُوبَة ِ فِي مِصْ
رَ وذِكْرَى فِرْدَوْسِهَا المفْقُودِ

وَبَدأْنَا عَصْراً أغَرَّ سَعِيداً
بِمَليكٍ مَاضٍ أَغَرَّ سَعِيدِ

قَدْ حَباه الشبابُ رأيًا وعَزْمًا
عَلَوِيَّ المَضاءِ والتَّسدِيدِ

قام بالأمْرِ أرْيحيًّا رَشِيداً
فَذَكَرْنَا بِهِ عُهُودَ الرَّشِيدِ

إنَّ حُبَّ الفَارُوقِ وَهْوَ وَحِيدٌ
فِي مَكانٍ منَ القلوب وَحِيدِ

أَلْسُنُ الْعُرْبِ كلُّهَا دَعَوَاتٌ
ضَارِعَاتٌ بالنَّصْرِ وَالتَّأْيِيدِ

أبْصَرُوا في السَّماء مُلْكًا عَزِيزًا
رافِع الرَّأسْ فَوقَ صَخْرٍ وَطيِدِ

وَرَأوْا عَاهِلاً يَفِيضُ جَلاَلاً
مِنْ هُدَى ربِّه العَزِيزِ الْحَمِيدِ

عَاشَ لِلْمُلْكِ وَالعُرُوبَة ِ ذُخْرًا
مِنْ هُدَى ربِّه العَزِيزِ الْحَمِيدِ