نَظَمْتُ لآلىء ً الفِردوْسِ عِقدا - علي الجارم

نَظَمْتُ لآلىء ً الفِردوْسِ عِقدا
ومن ذهب الأصيلِ وشيْتُ بُرْدا

وسار مع النسيم نسيمُ شعري
فكان أرقَّ أذيالاً وأندَى

غلائلُه ترِفُّ بكلِّ أرضٍ
فتنشرُ حوله مسكاً ونَداّ

تلقَّاه الخمائلُ ضاحكاتٍ
تهزّ معاطفاً وتمُدّ خَدّا

ويرقُمُ في الغديرِ سطورَ وَحْيٍ
وعاها الطيرُ حين شدا فأشْدى

وكم همست بِمسمعه غصونٌ
فردَّد همسَها وَلَهاً ووجدا

إذا ما الشعرُ كان شعاعَ نورٍ
أعار الشمسَ إشراقاً وخُلْدا

يشيبُ فيستردَ صِباهُ غضَّاً
وما أحلى الشبابَ المستَردَّا

طوَى الدنيا فليس الوعرُ وعراً
لوثبته وليس النجدُ نجدا

إذا كفُّ الزمانِ رمت رماها
وإن جدّت به الأحداثُ جدّا

وإن بسمت له الدنيا سمِعنا
نشيداً يملأُ الأطيارَ حِقْدَا

تمَّنتْ أنْ يَكونَ لها صداهُ
فصعرّ خدَّه ونأَى وصدَّا

وأين لمثلها وترٌ مُرِنٌّ
من الإلهامِ إحكاماً وشَدَّا

يغرِّدُ للخلودِ بكل أُفْقٍ
وما عرفتْ له الآفاقُ حدّا

لمستُ جَناحَه رفقاً فوافَى
وأغريتُ الوِدادَ به فودّا

له حَبُّ القلوبِ فليس يطوَى
وماءُ المقلتين فليس يصدى

أداعبُه فيصدَحُ عبقرياً
فتمتدُ الرقابُ إليه مدا

ضننتُ به فلم يهتِف بعمروٍ
ولم تستهوهِ بَسَماتُ سُعدَى

وصُنتُ لهاتَه عن كل لغوٍ
له خدّ الفتى العربيّ يندَى

تلثّم بالإباءِ فعاش حرّا
ولو عرف الرياءَ لمات عبدا

يهزّ حميَّة َ الفتيان نصلاً
ويحشُدُ رابضَ العزمات جُندا

ويُشعِلُ في القلوبِ وميضَ نارٍ
كنيرانِ الكليمِ هُدى ً ورشدا

ويشدو بالمروءة إن تراءت
وبالصنع الجميل إذا تبدّى

تلّفت حوله فرأى عليّاً
ولم يبصر له في الطبِّ نِدَّا

حوى هِمَمَ الرجال فكان جَمْعاً
وأُفرِد بالنبوغ فكان فَرْدا

عزيمته ترد الغِمدَ سيفاً
وحكمتهُ تردُّ السيفَ غمدا

يُحَبُّ دَماثة ً ويُهاب خوفاً
كغَمْرِ السيلِ خيف وطاب وِرْدا

وفاءٌ لو تَقَسَّم في الليالي
لما نقضت لراجيهِن عهدا

وعلمٌ يملأ الآفاقَ نوراً
وذِكْرٌ يملأ الأيامَ حمدا

وصولة ُ حازمٍ ما حاد يوْماً
عن القصد السويِّ ولا استبدا

وفكرٌ يلمَحُ الأقدارَ حتى
يكادَ يردُّها للغيْبِ رَدّا

ووجهٌ مشرقُ القَسمَاتِ سَمْحٌ
يَفيضُ بشاشة ٌ ويلوحُ سعدا

رآه الصبحُ منه فزاد حُسناً
وغار البدرُ منه فزاد سُهدا

دنا كالشمس حين دنت شعاعاً
وحلّق مثلَها في الأفق بُعدا

فلم نعرف له في الفضلِ قبْلاً
ولم نعرف له في النُبْل بَعْدا

فتى مصرٍ وهل تلقى بمصرٍ
فتى أمضى وأورى منه زَنْدا

تدارك مصرَ والميكروبُ يطغَى
وينفثُ سُمَّه ويؤُدُّ أدَّا

طوى َ آجالَ أهليها هَباءً
وبدّد نسلَها فتكاً ووَأْدا

فشدّ عليه مقداماً جريئاً
كما هيّجتَ يوم الرَوْع أسدا

تحدّاه وصال ولو سواه
أراد لما استطاع ولا تحدّى

فطهّر أرضها وحمى حِماها
وصان شبابَها وهدى وأهدَى

تطيرُ بها البعوضة ُ وهي تدري
بأنّ وراءَها للموْتِ حَشْدا

ويمشي القَمْل والدي دي رَصيدٌ
يُصوِّبُ خلفه السهَم الأسَدَّا

وما طَنُّ الذبابِ سوى نُواحٍ
وقد حصدته أيدي العلم حصدا

إذا الحشراتُ في مصرٍ تصدّت
مُناجِزة ً فأنت لها تصدَّى

أننسى الجامبيا والموتُ فيها
يزمجرُ والقلوبُ تذوب كَمْدا

وكاد اليأسُ يُوهِنُ كلَّ عزمٍ
ومصرُ تصارعُ الخصمَ الألدّا

فخضتَ غِمَارها صَمداً هماماً
ورُعتَ بهما جُيَوش الموتِ جلدَا

وأنْقَذْتَ الكِنانة مِنْ فناءٍ
وكنتَ لقومك الركنَ الأشدّا

نُحيِّي المرء إن نجيّ حياة ً
فكيف إذا نجا الوطنُ المفدَّى

فعش للطبِّ والفُصحى إماماً
وكن لكليهما عَضُداً وزَندا

مدحتُك كي أُشيدَ بمجد مصرٍ
وأرسُمَ للشبابِ النهجَ قَصْدا

وليس ينالُ شَأْوَك وصفُ شعري
ولو أفنيتُ عمر الشعر كدّا

ومن أحصى مآثرك الغواليأَغْدقْ عَليْها سَحَابَا وَامْلأْ مَداها شَبَابَاوَافْتَحْ عَلَى النَاس فِيهالِلْخَيْرِ بَاباً فَبَاباجُزْتَ الطَريقَ فَصَارتْتِبْراً وَكَانَتْ تُرَابااليُمْنُ يَحْدو ذَهَاباًوَالسَعْدُ يَشْدُو إيَاباوَالنَخلُ ماسَتْ وَمَاَلَتْتَشَوّ
فقد أحصى نجومَ الليل عدّا سقط بيت ص