بَيْنَ صَحْوِ الْمُنَى وحُلْمِ الخَيالِ - علي الجارم

بَيْنَ صَحْوِ الْمُنَى وحُلْمِ الخَيالِ
سَبَح الشعرُ في سماءِ الجمالِ

ومضَى سانحاً يهُزُّ جَناحَيْهِ
عَلى شاطىء السنِينَ الخوالي

لمح الدهرَ وهو يحبو من المَهْ
دِ عليه غَدائرٌ من ليالي

وأزاح التاريخُ عن عَيْنِهِ الحُجْ
ب فمَرَّتْ تخوض في الأجيال

ورأى الشمسَ طِفْلة ً تُرْسِلُ الأض
واءَ فوقَ الكُهوفِ والأدْغال

صَفَحاتٌ من الزمانِ توالَى
وهو يتلو سُطورَها بالتوالي

وتصاويرُ للحوادثِ تبدو
في شَتيتِ الألوانِ والأشكال

وإذا رَنَّة ٌ كما تضحَك الآ
مالُ بعد النوى وطولِ المِطالِ

وقف الشعرُ شاخصاً حين مَسَّتْ
هُ بسحرٍ من الفُنونِ حَلال

نَغَماتٌ لم يعهَدِ الروضُ مِثْلاً
لِصَدَاها بين الربا والظلال

ولُحونٌ لها مِثالٌ عجيبٌ
أو إذا شِئْتَ قُلْ بغيرِ مِثالِ

بَيْنَ عُودٍ كم هَزَّ أعطافَ رَمْسِي
س وحَيَّا مَواكِبَ الأقْيالِ

ودُفوفٍ عَزَفْنَ لابْنَة ِ فِرْعَوْ
نَ فماسَتْ بينَ الهوَى والدلالِ

ومَزاميرَ أُطْلِقَتْ من فَمِ السحْ
رِ فمادَتْ لها رَواسِي الجِبالِ

وَرَنَتْ كُلُّ سَرْحَة ٍ تَسْرِقُ السمْ
عَ وتَعْطُو بغُصْنِها الميَّالِ

وأهازيج ردودهاالأزاهي
ر وغنى بها نسيم الشمال

ذُهِلَ الشعْرُ فاستفاق فألفَى
موكِباً حُفَّ بالسنا والجلال

ساطعاتُ الشمُوس فيه مَشاعِي
لُ وأَضْواؤُهُ بناتُ الهِلال

زَحَمَ الأرضَ بالجِيادِ وغَشَّى
صَفْحَة َ الجَوِّ بالظُبا والعَوالي

وهَفَتْ راية ٌ على قِمَّة ِ النجْ
مِ وَرَفَّتْ فوقَ السحابِ الثَقال

مَوْكِبٌ يجمعُ الشعوبَ وتمشي
تحت أعلامِهِ العُصورُ الأوالي

سار فيه المُلوكُ من كُلِّ جِيلٍ
في احتفاءٍ ضافي السنا واحتفالِ

ذاكَ مِينا وذاك عَمْروٌ فَتَى العُرْ
بِ وهذا المُعِزُّ جَمُّ النوال

وَبَدا بينَهُمْ محمدٌ الأَكْبَر
مُحْيِي البلادِ مُنْشِي الرجال

صادعُ الجهل هادمُ الظلمِ في مِصْ
رَ مُبيدُ الُقيودِ والأَغلال

خَلْفَه زِينة ُ الخلائفِ إِسْما
عيلُ ذُخْرُ المُنَى أبو الأشبال

وفؤادٌ مُجدِّدُ الجِيلِ والآ
مالِ سِرُّ العُلا والاستقلال

سأل الشعْرُ أينَ يقِصدُ هذا
الركْبُ بعد الطوافِ والتجْوال

فأجابَتْ مِنْ فوقِهِ هاتفاتٌ
تملأُ الجوَّ واضِحَاتُ المَقال

ص أَسْرِعُوا نحوَ عابدينَ مَقامِ

الْ
مُلْكِ والنُبْلِ والنجارِ العالي

وَقَفَ الرَكْبُ عِنْدَ سُدَّة ِ فارو
قٍ فكانَتْ نهاية َ الترْحالِ

ورأَى الشعْرُ مَحْفِلاً لمُلوكِ
قٍ فكانَتْ نهاية َ الترْحالِ

جلسوا جاذلِينَ بَيْنَ ابتهاجٍ
ضاحكٍ كالمُنَى وبَينَ ابتهال

ثمَّ نادَى ذو أمْرِهِمْ نحن في يو
مٍ سعيدِ الغُدُوِّ والآصال

يَوْمُ يُمْنٍ لمِصْرَ ليس له مِث
لٌ ولا جَالَ للدهُورِ ببال

وُلِدَ المجدُ فيه والشرَفُ السا
مِي ونُور الحِجا ونُبْلُ الخِلالِ

تَجلَ السيدُ المُملكُ فيه
فَهناءً بأكرمِ الأنجالِ

قد سَعَيْنا لِسُوحِهِ فقضَيْنا
حاجة ً في نفوسِنا للمعَالي

بُهِرَ الشعْرُ فانْثَنَى يَلثِمُ الأرْ
ضَ ويَدْعُو بالعِزِّ والإقبال

وشدا مِثْلَما شَدَتْ بِنْتُ أيْكٍ
بَيْنَ ظِلٍّ وكَوْثرٍ سَلْسالِ

نَعِمَتْ بالأَليفِ لاهو ناءٍ
إِن دَعَتْهُ يوْماً ولا هُوَ سَالِي

لم ترَ النسْرَ في مَخالِبِهِ الزرْ
قِ ولا رُوِّعَتْ بصَيْدِ حِبال

تحتَها الزهْرُ فاتِنُ اللونِ رَفّا
فٌ جَميمُ الندَى دَمِيثُ الرمال

صَدَحَتْ للدُجَى وللَّيْلِ حُسْنٌ
حينَ يَطْوِى الوُجودَ في سِرْبال

صَدحتْ للصباحِ يَلمعُ في الشرْ
قِ طَهُوراً كَبسمة ِ الأطفال

إِنَّ للطبْعِ والبَديهَة ِ سِحْراً
فوقَ طَوْقِ الجُهُودِ والإِيغال

غَرِّدِي كيفَ شِئْتِ يا سَرْحَة َ الوا
دِي وهُزّي فَضْلَ الغُصونِ الطوال

واجْمَعِي اليومَ كُلَّ ذاتِ جَناحٍ
إِنَّ يومَ الفاروقِ في الدهرِ غالي

أرسِليِ البُلْبُلَ الفَرِيدَ يُنَادِي
تَسْتَجِبْهُ الطُيورُ في أرْسال

إِنَّ يومَ المِيلادِ يَوْمٌ على الدهْ
رِ قليلُ الأَندادِ والأَمْثال

صَفَّقَ النيلُ فيه زَهْواً وعَجْباً
وجَرَى في تخطرٍ واختيال

ساحباً ذَيْلَه يَمُرُّ على الزهْ
رِ فَتَمْضِي الزهورُ في الأذيال

لايُباليِ فقد تَمَلَّكَهُ الْحُ
بُّ وأوحَى إليهِ ألاَّ يُبالي

وهو لولا عُذوبة ُ الْحُبِّ ما ف
اضَ بعَذْبٍ من النَّمِيرِ زُلال

أنتَ مَوْلاهُ أنتَ عَلَّمْتَهُ البَذْ
لَ وبَذْلُ العبيدِ فَضْلُ الموالي

غمَرَتْنا نُعْماكَ في كلِّ حالٍ
فحمدْنا نُعْماكَ في كلِّ حالِ

أيُّها الراكبونَ في طَلَبِ الْغَيْ
ثِ سِراعاً والغيثُ مِلْءُ الرِحالِ

لاتَرِيموا مكانَكُمْ لاتَرِيموا
ساحة ُ المُلْكِ مَوْرِدُ السُؤَال

يالَها فَرْقَداً أطلَّ عَلَى الدُنْي
ا فأمستْ نجومُها كالذُبالِ

سطعتْ بالسعُودِ تستقبلُ الكَوْ
نَ فتحظَى بأشرفِ استقبال

اسْتَهلَّتْ بالسِلْمِ واليُمْن والعِي
دِ فكانتْ بَرَاعَة َ استهلال

أُغْمِدَ السيْفُ بعدَ طُولِ جِدالٍ
وجدالُ السُيوفِ شَرُّ جِدال

أنا في السِلْمِ عَبْقَرِيُّ القَوافِي
ليس لي في الظُبَا ولا في النِصال

أنا شعري كالطَيْرِ يُفْزِعُهُ الفَ
خُّ ويرتاعُ من حَفيف النِبال

لاتعيشُ الفُنونُ بينَ كِفاحٍ
راكبٍ رأسَهُ وبَيْنَ نِضال

خِفْتُ إنْ أُشْعِلَتْ لَظَى الحَرْبِ أَنْ
أُنْشِدَ بَيتاً جَرى معَ الأمثال

لم أكُنْ مِنْ جُناتِها عَلِمَ اللّ
هُ وإِنّى بِحَرِّها اليومَ صالي

فمَتى تَهْدَأُ القُلُوبُ إِلى الْحُبِّ
وتُهْدَى النفوسُ بعد ضَلال

أشْرِقي عَابِدينُ فالُملْكُ زاهٍ
صاعِدُ الْجَدِّ والزمانُ مُوالي

أنتِ أطلعتِ في سمائِكِ بَدْراً
عَلَّمَ ابنَ السماءِ معنَى الكمال

دَوَحَة ُ المجْدِ أَنْتِ كَمْ من أصولٍ
راسياتٍ ومن فُروعٍ هِدال

دَوْحَة ٌ أَرضُهَا من الطِيبِ والمِسْ
كِ وأثمارُها سُمُوط اللآلي

كم أظلَّتْ مِصْراً وحاطَتْ بَنِيها
من هَجِير الُخُطُوبِ والأهوال

أنتِ يا عابدينُ خَيْرُ بناءٍ
مَدَّ أفْياءَهُ على خَيْرِ آل

صَفَّقَتْ مِصْرُ حينما جَاءتِ البُشْ
رَى فأهلاً بمولِدِ الآمال

كم بسطنا الأكُفَّ نَضْرَعُ لِلرَحْم
نِ والليلُ مُسْبِلُ الأسْدال

وسبَقْنا دَقَّ البشائِر شَوْقاً
وبعثْنا السُؤالَ إِثْرَ السُؤال

ووَدِدْنا لو استقرَّ التَّمَنِّي
واستراح الرَجاءُ بعدَ كَلال

وإِذا أَنْعُمُ الإِلَهِ تَوَالَى
بعميمِ الإِحسانِ والإِفضال

وإذا الفجرُ صادقٌ يَمْلأُ الشَرْ
قَ فَيَمْحُو غياهِبَ الأَوْجالِ

وإذا المَهْدُ فيه دُرَّة ُ مَجْدٍ
لِكَرِيمِ الْجُدودِ والأَخْوال

وإذا مِصْرُ أَعْيُناً وقُلوباً
تَقْبِسُ النورَ من سَنا فِرْيال

فهناءً مَليكة َ النِيل كم حَقَّ
قْتِ للنيلِ من أمانٍ غَواليِ

وهَناءً مَليكَ مِصْرَ المُفَدَّى
نِلْتَ فَاشْكُرْ اللّهِ خَيْرَ مَنال

عِشْ وعاشَتْ أمِيرَة ُ المُلْكِ واسْلَمْ
للمعاليِ وصالِح الأعمال