أَخرجَ الرَّوضُ أَطْيبَ الثمراتِ - علي الجارم
أَخرجَ الرَّوضُ أَطْيبَ الثمراتِ
                                                                            هَاتِ ما شِئتَ من قَرِيضكَ هَاتِ
                                                                    زَهَرَاتُ تَتِيهُ بالغُصْنِ زَهْواً
                                                                            وغُصونٌ تَتِيهُ بالزَّهَرات
                                                                    صَيَّرتْ صفْحَة َ الرِّياضِ سماءً
                                                                            وَتَجنَّتْ فيها عَلَى النَّيِّرات
                                                                    لم تُفارِقُ كِمَامَها وشذاها
                                                                            يَنْشُرُ الطِّيبَ في جَمِيع الْجِهات
                                                                    تَرْهبُ الرِّيحُ أن تَخذَّ لَهَاخَ
                                                                            دًّا فَتَجْرِي في خَشْيَة ٍ وأناة ِ
                                                                    مُصْغِياتٌ إذا الْحَمائمُ رَنَّتْ
                                                                            بين تلكَ الْخمائِلِ النَّضِرَات
                                                                    ضاحِكاتٌ إذا بَكَى عابس الْغَيْ
                                                                            ثِ وفاضتْ عَيْناه بالعَبَرَات
                                                                    وإذا ماجَرَى الغَدِيرُ تدَانتْ
                                                                            لتُحَيِّي الغَدِيرَ بالقُبُلات
                                                                    إِنَّ للرَّوْضِ في مَعانِيه حُسْناً
                                                                            فَوْقَ حُسْنِ الَمَلامِحِ الفاتِنَات
                                                                    كَمْ مِنَ الزَّهْرِ فيه مِنْ سِحْرِ عَيْنٍ
                                                                            ومِن النَّبْتِ فيه مِنْ قَسَمَات
                                                                    فانظُر الرَّوضَ لا تَرَى غَيْرَ تِبْرٍ
                                                                            من تُرَابٍ ودُرة ٍ مِن حَصَاة ِ
                                                                    حَبَّة ٌ أَنْبَتتْ سنابلَ سَبْعاً
                                                                            ثُمَّ مِلءَ الفَضَاءِ من سُنْبُلاتِ
                                                                    ونَواة ٌ جادتْ بنَخْلٍ ونَخْلٍ
                                                                            وَارِفِ الظِّلِّ دائمِ الثَّمَرَات
                                                                    يُرْسِلُ الطَّيْرُ في مَداه نَشيداً
                                                                            مَوْصِليَّ الأَدَاءِ والنَّبَرات
                                                                    يَمْلِكُ النَّفْسَ أينَما نَظَرَتْه
                                                                            فَهْوَ قَيْدُ النُّفُوسِ والنَّظَرَات
                                                                    كم تهادَى مع النَّسِيم اخْتِيالاً
                                                                            كالعَذَارَى يَمِسْنَ في الْحِبَرَات
                                                                    تَتَناءَى به الظِّلاَلُ لِجَمْعٍ
                                                                            ثم تَدْنُو مُدِلَّة ً لِشَتَات
                                                                    مِثْلَ كفِّ الرسَّامِ جاءتْ ورَاحتْ
                                                                            بَيْن قِرْطَاسِه وَبَيْنَ الدَّوَاة
                                                                    أو كوَجْهِ الحَسناءِ يَبْدُو ويَخفَى
                                                                            بين مَيْل الْهَوَى وخوْفِ الوُشَاة ِ
                                                                    كلّما رُمْتَ منه قَطْفَ جَنَاة ٍ
                                                                            سَبقَتْ راحتَيْك ألْفُ جَنَاة
                                                                    وإذا بارَك الإِلَهُ بأرْضٍ
                                                                            حَعَل التِّبْرَ في مَكانِ النَّبَات
                                                                    وحَبَاها خِصْباً إذا مَسَّ صَخْراً
                                                                            تَرك الصخرَ جَنَّة َ الجَنَّات
                                                                    رُبّ أَرْضٍ للغَافِلين مَوَاتٌ
                                                                            وهْيَ لِلْعامِلينَ غَيْرُ مَوَاتِ
                                                                    إِنْ تَطَلَّعْتَ للرَّغائِبِ فابذُلْ
                                                                            تِلْك في الدَّهْرِ سُنَّة ُ الكَائِنات
                                                                    لَكَ كَفّان تلك تُعْطى وهَذِي
                                                                            تَتَلقّى مَثُوبة َ الْحَسنَات
                                                                    تَرْتَجِي الْحَصْدَ ثمَّ تقعُدُ في الشَّمْ
                                                                            سِ لك اللّه يا أَخا التُّرَّهَات
                                                                    ضِلَّة تَطُلبُ الزُّلالَ من النّا
                                                                            رِ وتَبْغِي غَضارة ً من فَلاَة
                                                                    ليس يجْني من السُّبَاتِ سِوى الأَحْ ع لاَمِ فانهَضْ وُقِيتَ شرَّ السُّباتِ
                                                                    قَدْ غَرَسْناهُ رَوْضَ عِلْمٍ فأزْرَى
                                                                            حُسْنهُ بالْحَدائقِ الباسِقات
                                                                    وَبذَرْنا به القُلوبَ صِغاراً
                                                                            وكِرَامَ النُّفُوسِ والمُهَجَات
                                                                    وسَقَيْنا ثَرَاهُ مَاءً مِنَ الأَذْ
                                                                            هانِ أَحْلَى مِنْ كُلّ ماءٍ فُرَات
                                                                    وَغَذَوْنَاهُ طَيِّباً بجُهودٍ
                                                                            ضاعَفَتْ مِن ثِمَارهِ الطَّيَّبَات
                                                                    وَحَميْناهُ أن تَعيثَ به الأَيْ
                                                                            دِي وتَجْنِي عَلَيْه كَفُّ الْجُنَاة
                                                                    وجَعَلْنا له مِنَ الْخُلُقِ العَا
                                                                            لِي سِيَاجاً مُوَثَّق اللَّبِنَات
                                                                    وحَفِظْنا من الرِّيَاحِ جَنَاهُ
                                                                            وَوَقَيْناه شِرَّة الْحَشَرات
                                                                    إِيهِ يا رَوْضَة َ المَعارِف لازِلْ
                                                                            تِ مَثَابَ الْخَيْراتِ والْبَرَكَاتِ
                                                                    أنت أنَبتِّ في ثَرَى النِّيلِ شَعْباً
                                                                            نافِذَ الرَّأْي طاهِرَ النَّزَعات
                                                                    أَعْجَز الغَرْبَ هِمَّة ً وذَكاءً
                                                                            وكذا الشَّرْقُ مَوْطِنُ المُعْجِزات
                                                                    خُطُواتٌ نَحْوَ المعَالي فِساحٌ
                                                                            لا عَدَاها السَّدادُ مِن خُطُوات
                                                                    سَلكَتْ أوْسطَ الطَّرِيقِ وجَازَتْ
                                                                            كُلَّ مافي الطَّرِيقِ من عَقَبَات
                                                                    وجُهُودٌ تمضي وتَأتِي جُهُودٌ
                                                                            مُحْكَماتٌ مَوصُولة ُ الْحَلَقَات
                                                                    نَسَجتْ من جِهَادها لبَنِي مِصْ
                                                                            رَ دُرُوعاً حَصِينة ً سابِغَات
                                                                    إِنَّما مَوْلِدُ المَعَارِفِ في مِصْ
                                                                            رَ دَبِيبُ الْحَياة ِ بين الرُّفَات
                                                                    جَلّ رَبِّي آمنتُ باللّه ربي
                                                                            فالقِ الْحَبّ باعِثِ الأَمْوات
                                                                    أَرْسَل اللّه للكِنَانة ِ نَدْباً
                                                                            هِبْرِزيَّ الأعْراقِ والعَزَماتِ
                                                                    فأَتَاها محمَّدٌ جدُّ إِسْما
                                                                            عِيلَ بالْخِصبِ مُورِقاً والْحَيَاة
                                                                    هلْ رأيتَ النَّجْمَ الذي يَبْهَرُ العَيْ
                                                                            نَ وَيمْحُو دَيَاجِرَ الظُّلُماتِ
                                                                    هلْ رأيتَ الغَدِيرَ يَنْسَابُ في القَفْ
                                                                            رِ فَيهْتَزُّ مُخْصِبَ الْجَنَبَات
                                                                    هل رأيتَ الْحًياة تَسْرِي إلى الجِسْ
                                                                            مِ فتُحْيِي عِظاَمَه النَّخِرَات
                                                                    هل رأيتَ الآمالَ بَعْد نِفارٍ
                                                                            واقْتبالَ الشَّبَابِ بَعْدَ فَواتِ
                                                                    لَقِيتْ مصرُ قَبْلَه ما يُلاقِي
                                                                            غَرَضٌ جَاء فِي اتّجاهِ الرُّمَاة
                                                                    جَهِلوا دَاءَها الدَّفِينَ وشَرٌّ
                                                                            مِنْ دَفِينِ الأدْواءِ جَهْلُ الأُسَاة ِ
                                                                    نكَئوا جُرْحَها فسالتْ دِمَاهَا
                                                                            قَطَرَاتٍ تجْرِي إِلى قَطَرَات
                                                                    لا تَرَى في الظَّلامِ للعِلْم إِلاّ
                                                                            مُقْفِراتٍ من دُورِهِ دارِسات
                                                                    يَكْرهُ الظُّلْمُ كلَّ شيءٍ منَ الضَّوْ
                                                                            ءِ ولو كانَ في ابِتسامِ الفَتَاة
                                                                    لمَ يَكُنِ منْهُ غَيْرُ وَمْضٍ منَ الأزْ
                                                                            هَرِ يَبْدُو مُفَزَّعَ اللَّمَحَات
                                                                    كَذُبَالِ المِشْكاة ِ قَدْ جَفّ إِلاّ
                                                                            أَثَراً من بُلاَلة ِ المِشْكَاة
                                                                    فَأتَى مُنْقِذُ البِلادِ فَأَحْيَا
                                                                            ها بِرَأْيٍ وَعَزْمة ٍ وَثَبَات
                                                                    لو دَعا أَنْجُمَ السَّماءِ لَلبَّتْ
                                                                            مُهْطِعاتٍ لأمْرِه صاغِرَاتِ
                                                                    شادَ في مِصْرَ للمعَارِفِ دِيوا
                                                                            نّا مَنِيعَ الأعلامِ والشُّرُفَات
                                                                    وبَنَى للعُلُومِ خَيْرَ بِنَاءٍ
                                                                            عَلَويِّ فكانَ خَيْرَ البُناة
                                                                    نَهضتْ مِصْرُ بَعدَه نَهَضَاتٍ
                                                                            تَسْتَحِثُّ الْخُطَا إلى نَهَضَات
                                                                    أَرْسَلَ العِلْمُ نورَه فَسَرَى الرَّكْ
                                                                            بُ يقُودُ المُنَى إلى الغَايَات
                                                                    ورَأَيْنا بكُلِّ أَرْض رِياضاً
                                                                            دانياتٍ قُطُوفُها زاهِيَات
                                                                    كلَّ يومٍ عند الصّباحِ تَرَى جَيْش
                                                                            اً مِنَ النَّشءِ صَادِقَ الوَثَبَات
                                                                    جعلو كُتْبَهُم مكانَ المواضِي
                                                                            ويَراعَاتِهم مكانَ القَنَاة
                                                                    طَلَعوا أَوَّل الغَداة ِ فَزَانُوا
                                                                            بِسَنا ضَوْئهمْ جَمَالَ الغَدَاة ِ
                                                                    مِثْلَ سِرْبٍ للطَّيْر هَمَّت خِفَافاً
                                                                            ثم راحتْ لوَكْرِها مُثْقَلات
                                                                    نَثَرُوا جَمْعَهم فأبْصَرْتُ فِيهم
                                                                            أنجُماً في الفَضَاءِ مُنْتَثِرات
                                                                    ورأيتُ الفِلْذَاتِ تَمْشي على الأرْ
                                                                            ض فَخَلُّوا الطَّرِيقَ للفِلْذَات
                                                                    هُمْ أَمانِيُّ مِصْرَ هم مُرْتَجاها
                                                                            هُمْ حَنايا ضُلوعِها الْخَافِقَات
                                                                    مائَة ٌ من سِنِي المعارف مَرَّتْ
                                                                            زَاهياتٍ بما حَوَتْ حافِلاَت
                                                                    بَلَغَتْ مِصْرُ في مَداهُنَّ شَأْواً
                                                                            فوقَ شَأْوِ الكَواكِب السّابِحات
                                                                    وغدَا مَجْدُها الْحدِيثُ وقد شا
                                                                            عَ شذَا عِطْره حديثَ الرُّوَاة
                                                                    أصبحتْ كَعْبَة ً يَحُجّ إِليها الشَّرْ
                                                                            قُ بين الْخُشُوعِ والإِقْنات
                                                                    تَتَهادَى وحَقَّ أنْ تَتَهادَى
                                                                            بين ماضٍ زاهِي الْجَبينِ وآتِي
                                                                    كلُّ تاريخها كتابٌ من المَجْ
                                                                            دِ كريمٌ مُطَرَّزُ الصَّفَحَات
                                                                    بَعَثتْ دارِسَ الفُنونِ وأحْيَتْ
                                                                            بعد يأسِ الزَّمان أُمَّ اللُّغَات
                                                                    وأعادَتْ إلَى العُلوم مَنَاراً
                                                                            كان صُبْحِ الدُّجَى وهَدْي السُّرَاة
                                                                    أَنجَبتْ للْبِلاد أبطالَ عَزْمٍ
                                                                            هُمْ دُرُوعُ البِلادِ في الأَزَمَاتِ
                                                                    دَعَوُا الشَّعْبَ للعُلاَ فَرَأَيْنا
                                                                            خَيْرَ شَعْبٍ أَجابَ خَيْرَ الدُّعَاة
                                                                    أَنْجبَتْ كلُّ عالمٍ بَهَرَ الكَوْ
                                                                            نَ بآياتِ عِلمِهِ البَيِّناتِ
                                                                    أَنْجَبَتْ كلَّ شاعرٍ عَبْقَريٍّ
                                                                            صادِقِ الْحِسِّ بارعِ اللَّفَتَات
                                                                    تَتَمنَّى الأزْهارُ لوكنَّ يَوماً
                                                                            في قَوافِيه مَوضِعَ الكَلِمَات
                                                                    أنْجبَتْ كُلَّ كاتِبٍ يَمْلِكُ السَّم
                                                                            عَ بآثارِ فَنِّهِ الْخَالِداتِ
                                                                    أنْجبتْ كُلَّ مِدْرَهٍ وخَطِيبٍ
                                                                            سَاحِرِ القَوْلِ صادِقِ الحَمَلات
                                                                    وحَمَتْ شِرْعَة الخَلائق أنْ يَغْ
                                                                            بَرَّ صَافِي نَميرِها بقَذَاة
                                                                    قد وَلَجْنا الْحَياة َ من كلِّ بابٍ
                                                                            فَرَأَيْنا الأَخْلاقَ بابَ النَّجَاة
                                                                    أصْبحتْ مِصْرُ مَعْهداً لشَبابِ الشَّ
                                                                            رْقِ يَسْعَونَ نَحْوَها بالمِئَات
                                                                    عَقَدَتْ بَيْننا الَّليالي صِلاَتٍ
                                                                            مُحْكَمَاتٍ أَحْبِبْ بها مِن صِلاَت
                                                                    إِنْ عِيدَ المَعارِفِ اليَوم عِيدٌ
                                                                            للنُّهَي والْجُهُودِ والذِّكْرَيَات
                                                                    عِيدَ يُمْنٍ لِمصْرَ فالدَّهْرُ دانٍ
                                                                            خاضِعُ الرَّأسِ والزّمانُ مُوَاتى
                                                                    بَلَغتْ مِصْرُ ما تُرَجِّي وفَازَتْ
                                                                            بَعْد طُولِ الأَسَى وذُلِّ الشَّكاَة
                                                                    وأطاَحتْ قُيُودَها فَاستقلّتْ
                                                                            وامّحَى ما تَرَكْنَ مِنْ نَدَبَاتِ
                                                                    واسْتَعزّتْ بِطلْعة ِ المَلِكِ الفَا
                                                                            رُوقِ زَيْنِ الحِمَى وفَخْرِ الحُمَاة
                                                                    يُشْرِقُ المُلْكُ بالمَلِيكِ ويُزْهَى
                                                                            بمَجَالي آلائِه المُشْرِقَات
                                                                    تَجْتَلِيه العُيونُ بَدْراً وتَفْ
                                                                            ِديهِ عُيونُ الزَّمانِ بالحَدَقَات
                                                                    عَهْدُه في العُهُود أَنْضَرُ عَهْدٍ
                                                                            كجمَالِ الرَّبِيِع في الأَوْقَات
                                                                    بَهَر الشِّعْرَ أن يُحيط بمَعْنى ً
                                                                            مِن مَعانِي صِفَاتِه الباهِرات
                                                                    عاشَ للعِلْمِ والبلادِ هُماماً
                                                                            مِن مَعانِي صِفَاتِه الباهِرات