دَعْوتُ بَيانِي أن يفَيضَ فَأَسْعدَا - علي الجارم

دَعْوتُ بَيانِي أن يفَيضَ فَأَسْعدَا
وَنادَيْتُ شِعري أن يُجيبَ فغَرَّدا

وأبْدعْتُ نَظْماً كالرَّبيع مفوَّفاً
يُجَمِّلُ عَصْراً كالشبَّابِ مُجدَّدا

وما الشِّعرُ إلاّ تَرْجُمانٌ مُخلَّدٌ
يَقُصُّ على الأجيْالِ مَجداً مُخَلَّدا

فَلَولا السَّجَايا الغُرُّ ما قال قَائِلٌ
ولولا فؤادٌ ما غَدَا النِّيلُ مُنْشِدَا

فَسَلْسَالهُ أَضْحَى بِنُعْمَاهُ كَوْثَرا
وقِيعَانُه أمستْ بِمَسْعاه عَسْجَدا

مَليكٌ حَبَتْه مِصرُ مَحْضَ وَلاَئِها
صَمِيماً وأوْلَى مِصرَ عِزّاً وسُؤدَدا

أصاَلة ُ عَزْمٍ أَخْجَلَتْ كلَّ صَارِمٍ
مِنَ البيضِ حَتَّى خاف أنْ يَتَجَرَّدا

وَرَأْيٌ كَوَجْهِ الصُّبْحِ ما ذَرَّ نُوره
على مُدْلَهِمِّ الْخَطْبِ حتَّى تَبَدَّدا

ووّجْهٌ كأنوارِ اليَقِينِ رَأيْتُه
فأبْصَرَتُ فيه المجْدَ والنُّبْلَ والنَّدَى

أَلمْ يُعْلِ صَرْحَ العِلْمِ شُمّاً قِبَابُه
تُطَالِعُهَا زُهْرُ الكواكِبِ حُسَّدَا

فَمِنْ مَعْهَدٍ يُبْنَى على إِثْرِ مَعْهَدٍ
إلى أنْ غَدَتْ أرضُ الكنَانة ِ مَعْهَداً

زُهِينَا على الدُّنْيا بِجَامِعَة ٍ غَدَت
حَدِيثاً بأُذْنِ الشَّرْقِ حُلْواً مُرَدَّدا

تَرُدَّ الشَّبَابَ الغَضَّ حَزْماً وَحِكْمَة ً
وتَصْقُلُه صَقْلَ القُيونِ المُهَنَّدا

تُزَوِّدُهُ التَّوفيقَ في كلِّ مَطْلَبٍ
وَمَنْ طَلَبَ العِلْمَ الجلِيلَ تَزَوَّدا

غَدَتْ دَوْحَة ً فَيْنَانَة ً حُلْوَة َ الْجَنَى
بَعيدَة َ مَدِّ الظِّلِّ فَيَّاحَة َ المَدَى

غَرَسْتَ وهذا فضلُ ما قد غَرَسْتَه
وهذا هوَ الغُصْنُ الذي كان أَمْلَدا

تَعَهَّدْتَه كالزَّارعِ الطَّب نَوْمُه
غِرَارٌ إلى أن يُبْصِرَ الزَّرْعَ أَحْصَدا

بِكَفِّ من الإِحْسانِ وَالرِّفقِ صُوِّرَتْ
وعَيْنٍ تَرَى في يَوْمها ما تَرَى غَدَا

كَذاكَ ابنُ اسماعيلَ يَنْتَهِبُ المُنَى
دِرَاكاً ويَمْضِي لِلْمَحَامِدِ مُصْعِدَا

وَيُدْرِكُ ما يُعْيِى الْجَحَافِلَ وَحْدَهُ
وَيَبْلُغُ شَأْوًا يُعْجِزُ الْجْمعُ مَفْرَدا

وَيَسعى إلى أنْ يُذْهِلَ النَّجْمَ سَعْيُه
ويَبذُلُ حَتى يُدْهِشَ الْجُودَ وَالْجَدا

ويَرْقب رَبَّ العَرْشِ فِما يُريدُه
ويَنْصُرُ دِينَ الْحَقِّ والنُّورِ والهُدَى

إذا مَا انْتَهَى مِنْ مَقْصِدٍ لانَ صَعْبُه
دعاهُ هَوى مِصرٍ فجدَّدَ مَقْصِدا

رُوَيْدَكَ أجهَدْتَ المؤَرِّخَ ما وَنَى
ولا فَارَقْتَ يَوْماً يَرَاعَتُه اليَدَا

هَزَزْتَ إلى التَّأْلِيفِ كُلَّ مُبَرِّزٍ
أَدِيبٍ إِذَا مَا أَرْسَلَ الفِكْرَ سدَّدا

فَفَاضتْ بجَدْواكَ العقولُ وَبلَّلَتْ
بمصْرَ ظِماءً كان حَرَّقهَا الصَّدَى

ففي كلَّ يومٍ لِلْعُلُومِ مُجَلَّدٌ
حَقيقٌ بما أسْدَيْتَ يَتْلُو مُجلَّدا

سلوا مكْتَباتِ الْعِلْمِ تنْطِقُ كُتْبُهَا
بآثارِ مَجْدٍ يَنْتَمِينَ لأَحْمَدَا

وَمَنْ يَبْنِ فَوْقَ العِلمِ وَالعدلِ مُلكَه
رَفيعاً فَقَدْ أَرسَى الأساسَ ووطَّدا

بَهرْتَ رجالَ العلم في الغَرْبِ فَانْثَنَوْا
إليكَ يَسوقونَ الثنَاءَ المنَضَّدا

وأَوْلَوْكَ أَلْقَاباً نَواصعَ كالضُّحَا
ضِخاماً على آثارِ فَضْلِكَ شُهَّدا

وأَصْبَحتَ رَمْزاً عالَمِيًّا سَعتْ له
جِهابِذُ أهلِ الأرضِ مَثْنَى وَمَوْحَدا

فِخاراً أبا الفارُوقِ لم يَبْقَ مَنهَجٌ
إلى العلمِ إلاَّ صار سَهْلاً مُعَبَّدا

تَطَلَعتِ الآمالُ شرْقاً وَمَغْرِباً
فَلم تَجدِ الآمالُ إلاّكَ مَعقِدا

وحامًتْ قُلوبُ الشَّعبِ حَولكَ مِثْلمَا
تَحومُ عِطَاشُ الطَيْرِ أَبْصَرنَ مَوْرِدا

فَعِشْ لِبني مِصرٍ غِياثاًوَرحمة ً
فآمالهم في أن تَعيشَ وَتَسْعَدا

وَعَاشَ وَليُّ العهدِ قَرَّة َ أَعْيُنٍ
وَدامَ مِنَ اللّهِ العزيزِ مُؤَيَّدا