مصر - علي محمود طه
هوى لك فيه كلّ ردى يحبّ
فديتك ! هل وراء الموت حبّ ؟
فديتك مصر ، كلّ فتى مشوق
إليك ، و كلّ شيخ فيك صبّ
و يحلم بالفدى طفل فطيم
و كلّ رضيعة في المهد تحبو
أراك و أينما و ليّت وجهي
أرى مهجا لوجهك تشرئبّ
و أرواحا عليك محوّمات
لها فوق الضّفاف خطى و وثب
عليها من دم الفادين غار
له بيديك تضفير و عصب
حمتك صدورها يوم التّنادي
ووقّتك اللّيالي و هي حرب
إذا رامتك عادية و شقّت
فضاءك غيلة و رماك خطب
دعت بالنّهر فهو لظى و وقد
و بالنّسمات فهي حصى و حصب
و بالشجر المنوّر غيل
و كلّ غصونه ظفر و خلب
حقائق عن يد الأيمان ترمي
صواعق و مضها ظفر و خلب
حقائق عن يد الإيمان ترمي
صواعق ومضها رجم و شهب
لها في مهجة الجبّار فتك
و في عينيه إيماض و سكب
صنائع الغانائيّات يشدو
بها شرق ، و يلقي السّمع غرب
و يبعث في الحياة على صداها
فراعين أو حواريّون عرب
أهلّوا بالصّباح فثمّ ركب
تموج به الضّفاف و ثمّ ركب
بأرواح مجنحة نشاوى
إليك بكلّ جارحة تدبّ
لقد بعثت من الأحقاب مصر
أجل بعثت ، و هبّ اليوم شعب
توحّد في الزعامة فهو فرد
و أفرد بالأمانة فهو صلب !
***
فيا لك مصر ! ما لجلال أمس
علته غبرة و طوته حجب
و ابهم فهو رجع صدى و طيف
بعيد ليس يستجليه قرب
دوت ريّا ملامحه و حالت
مناقبه فهنّ أذى و ثلب
أكان دم الفدائيّين صدقا
و أصبح و هو بعد الأمس كذب
فيهدم ما بنى و يقال شادوا
و تصدع وحدة و يقال رأب ؟
علام إذن اريق بكلّ واد
فأورق مجدب و أنار خصب ؟
و جاد به شباب عبقريّ
و ولدان كفرخ الطّير زغب ؟
أحقّا ما يقال شيوخ جيل
على أحقادهم فيه أكبّوا
و كانوا الأمس أرسخ من جبال
إذا ما زلزلت قمم و هضب
فمالهمو وهت منهم حلوم
لها بيد الهوى دفع و جذب
أأرحام مقطّعة و ارض
تعادى فوقها أهل و صحب
و اسواق تباع بها و تشترى
ضمائر هنّ للأهواء نهب
يطوف بها النّفاق و في يديه
صحائف أفعمت زورا و كتب
يكاد اللّيل أن ينسى دجاه
إذا نشرت و يأخذ منه رعب
تعالوا يا بني قومي تعالوا
إلى حقّ و حسب الشعب حسب
هو الدستور منه جنى قطفنا
و نهر حياتنا ملآن عذب
فما للشّرب و الجانين ثاروا
عليه بعد ما طعموا و عبّوا
فأهدر مرّة و أبيح أخرى
و عيب ، و ما له عيب و ذنب
إذا ما الأكثرية فيه فازت
تحرّكت الدّسائس و هي إلب
و إن هي حوربت عنه و ذيدت
تحدّث باسمه فرد و حزب
عجائب لم تقع إلاّ بمصر
و أحداث لهن يطيش لبّ
تعالوا يا بني قومي إليه
فما في حكمه قسر و غصب
و ما هو اسطر كتبت و لكن
معان في القلوب لهنّ علب
تحررت الشّعوب فكلّ شعب
طليق و المجال اليوم رحب
و هبّت في نواحي الأرض دنيا
لحقّ يجتبى و منى تلبّ
أتلعب و الزمان يقول جدّوا
و نرقد و الحياة تصيح هبّوا ؟
فلا تقفوا بحريّات شعب
و آمال له للمجد تصبو
فما تثني خطى شعب طموح
زعازع في ظلام الليل نكب
إذا عصفت تلقّاها بصدر
وراء ضلوعه نار تشبّ
سألتكمو اليمين و حبّ مصر
ألم يخفق لكم بالحبّ قلب ؟ !
إذا عبس الزمان لمصر أومت
إلى الفاروق و هي رضى و حبّ
فقبّلها و ظلّلها هواه
و ندّى قلبها و العيش جدب
و باسمك أيها الملك المفدّى
تقشّع غمّة و يزول كرب
و باسمك لا يضام لمصر حقّ
و باسمك لا يضار بمصر شعب
و باسمك من عضال الدّاء تشفى
و باسمك كلّ داء يستطبّ
بحقّ علاك وهو هدى و نور
و حقّ هواك و هو علا و كسب
إليك توجّهت بالرّوح مصر
و أنت لمصر بعد الله ربّ