انتظار - علي محمود طه

طال انتظارك في الظّلام و لم تزل
عيناي ترقب كلّ طيف عابر

و يطير سمعي صوب كلّ مرنّة
في الأفق تخفق عن جناحيّ طائر

و ترفّ روحي فوق أنفاس الرّبا
فلعلها نفس الحبيب الزّائر

و يجفّ قلبي إثر كل شعاعة
في اللّيل تومض عن شهاب غائر

فلعلّ من لمحات ثغرك بارق
و لعله وضح الجبين النّاضر

ليل من الأوهام طال سهاده
بين الجوى المضني و هجس الخاطر

حتى إذا هتفت بمقدمك المنى
و أصخت أسترعي انتباهة حائر

و سرى النّسيم من الخمائل و الرّبى
نشوان يعبق من شذاك العاطر

و ترنم الوادي بسلسل مائه
و تلت حمائمه نشيد الصّافر

و أطلّت الأزهار من ورقاتها
حيرى تعجّب للربيع الباكر

و جرى شعاع البدر حولك راقصا
طربا على المرج النّضير الزّاهر

و تجلّت الدّنيا كأبهج ما رأت
عين و صوّرها خيال الشّاعر

و مضت تكذّبني الظّنون فأنثني
متسمّعا دقات قلبي الثائر

أقبلت بالبسمات تملأ خاطري
سحرا و أملأ من جمالك ناظري

و أظلّنا الصّمت الرّهيب و نحن في
شك من الدّنيا و حلم ساحر

حتّى إذا حان الرّحيل هتفت بي
فوقفت و استبقت خطاك نواظري

و صرخت باللّيل المودع باكيا
و يداك تمسك بي و أنت مغادري

يا ليتنا لم نصح منك و ليتها
ما أعجلتك رحى الزّمان الدّائر

***

و لقد أتت بعد اللّيالي و انقضت
و كأنها الدّهر لم نتزاور

بدّلت من عطف لديك ورقة
بحنين مهجور و قسوة هاجر

و كأنني ما كنت إلفك في الصّبا
يوما و لا كنت في الحياة مشاطري

و نسيت أنت و ما نسيت أنني
لأعيش بالذكرى...لعلك ذاكري !!!