البحيرة - علي محمود طه

ليت شعري أهكذا نمضي
في عباب إلى شواطئ غمض

و نخوض الزمان في جنح ليل
أبديّ يضني النّفوس و ينضي

و ضفاف الحياة ترمقها العـ
ـين فبعض يمرّ في إثر بعض

دون أن نملك الرّجوع إلى ما
فات منها و لا الرّسوّ بأرض!؟

***

حدّثي القلب يا بحيرة مالي
لا أرى أوليفر فوق ضفافك

أوشك العام أن يمر و هذا
موعد للّقاء في مصطافك

صخرة العهد ! ويك هأنذا عد
ت، فماذا لديك عن أضيافك؟

عدت وحدي أرعى الضّفاف بعين
سفكت دمعها اللّيالي السّوافك

***

كنت بالأمس تهدرين كما أنـ
ـت هديرا يهزّ قلب السّكون

و ضفاف أمواجها يتداعيـ
ـن على هذه الصّخور الجون

و النّسيم العليل يدفع و هنا
زبد الموج الرّبى و الحزون

ملقيا رغوها على قدميها
ليّن المسّ مستحبّ الأنين

***

أترى تذكرين ليلة كنّا
منك فوق الأمواج بين الضّفاف

و سرى زورق بنا يتهادى
تحت جنح الدّجى و ستر العفاف!؟

في سكون فليس نسمع فوق
الموج إلاّ أغاني المجداف

تتلاقى على الرّبى و الحوافي
بأناشيد موجك العزّاف؟؟

***

و على حين غرّة رنّ صوت
لم يعوّد سماعه إنسيّ

هبط الشّاطئ الطّروب فما يسـ
ـمع فيه للهتافات دويّ

و إذا اللّيل ساهم سكن النّو
ء إليه و أنصت اللّجيّ

يتلقّى عن نبأة الصّوت نجوى
كلمات ألقي بهنّ نجيّ

***

يا زمانا يمرّ كالطّير مهلا
طائر أنت؟ ويك قف طيرانك!

اهناء السّاعات تجري و تعدو
نا عطاشا فقف بنا جريانك!

ويك دعنا نمرح بأجمل أيّا
م و نلقى من بعد خوف أمانك

و إذا نحن لذّة العيش ذقنا
ها و مرّت بنا فدر دورانك!

***

بيد أنّ الشّقاء قد غمر الأر
ض و فاض الوجود بالتاّعسينا

كلهم ضارع إليك يرجّيك
فأسرع ّ أسرعّ إلى الضارعينا

و افترس مشقيات أيّامهم ز امـ
ـض رحى تطحن الشّقاء صحونا

رحمة فاذكر النّفوس الحزتنى
و انس يا دهر لأنفس النّاعمينا

***

عبثا أنشد البقاء لعهد
يفلت اليوم من يدي و يفرّ

و سويعات غبطة ما أراها
و وشيكا ما تنقضي و تمر

و أنادي يا ليلة الوصل قري
إنّ بعد السّرى يطيب المقرّ

أسفا للصّبا و غرّ ليال
ليس يبقى على صبّاهن فجر

***

فلنحبّ الغداة و لنحي حبّا
و لنكن في الحياة بعضا لبعض

و لنسارع و فنقتفي إثر ساعا
ت فقد تؤذن النّوى بالتّقضّي

إنّنا في الحياة في عرض بحر
ليس نلقي المرساة فيه بأرض

ما به مرفأ يبين و لكن
نحن نمضي في لجّه و هو يمضي !

***

أكذا أنت أيّها الزّمن الحا
قد تغتال نشوة اللّحظات ؟

حيث يزجي لنا السّعادة أموا
جا من الحبّ زاخر اللّجات ؟

أكذا أنت ذاهب بليالي الصّـ
ـفوعنا سريعة الخطوات ؟

أكذا تنقضي حلاوة نعما
هل كما ينقضي شقاء الحياة؟

***

كيف حدث: أغالها منك صرف
في أبيد الزّمان حيث طواها ؟

ويك قل لي أليس نملك يوما
أن نراها ؟ أما تبين خطاها ؟

أتراها ولّت جميعا و لمّا
تبق حتى آثارها، أتراها ؟

أو ذاك الدّهر الذي افتنّ في صو
غ صباها هو الذي قد محاها ؟

***

أي أبيد الزّمان و العدم العا
تي غريقين في سكوت و صمت

أي عميق اللّجات : ماذا بأيّا
م صبانا ؟ ماذا بهنّ صنعت ؟

حدّثيني أما تعيدين ما من
سكرات الغرام منّا اختفت ؟

أو ما تطلقينها من دياجيـ
ـك؟ أم تبعثينها بعد موت ؟

***

أنت يا هذه البحيرة ماذا
يكتم الموج و الشّطآن

أيّها الغابة الظّليلة ردّي
أنت من أبقى عليها الزّمان

و هو يستطيع أن يجدّك حسنا !!
إحفظي لا أصابك النسيان !!

قل حفظا أن تذكري ليلة مرّ
ت و أنت الطبيعة الحسان

***

ليكن منك يا بحيرة ما لجّ
بك الصّمت أو جنون اصطخابك

في مغانيك حاليات تراءى
ضاحكات على سفوح هضابك

في مروج الصّنوبر الحوّ تهفو
سابغات الألياف حول شعابك

في نتوء الصّخور مشرفة الأعنا
ق بيضا تطلّ فوق عبابك

***

و ليمن في الهباب يهدر أموا
جا على شاطئيك مثلّ الرّعود

في انتحاب الرّياح تعول في الود
يان إعوال قلبي المفؤود

في صدى الجدول الموقّع أنا
ت حشاه بالجندل الجلمود؟

في شذاك السّريّ ينشقّ منه الـ
ـقلب ريّا فردوسه المفقود !؟

***

و ليكن في النّسيم ما هبّ سار
يه يجوب الشطآن نحوك جوبا

في جبين النّجم اللّجينيّ يلقي
فضّة الضّوء في مياهك ذوبا

و ليكن في شتيت ما تسمع الأذ
ن و فيما تراه عينا و قلبا

ليكن هاتف من الصّوت يتلو
قد أحبّا و أخلصا ما أحبّا

***