البحر و القمر - علي محمود طه
تساءل الماء فيك و الشّجر
من أين يا كان هذه الصّور ؟
ألبحر و الحور فيه سابحة
رؤى بها بات يحلم القمر !
أطلّ و الضوء راقص غزل
دعاه قلب ، و شاقه بصر
يهمس فيما يراه فتن
آلهة هؤلاء أم بشر ؟
يقفز من لجّة إلى حجر
كأنّما مسّ روحه الضّجر
معربدا لا يريم سابحة
إلاّ و منه بثغرها أثر
من كلذ حواء مثلما خلقت
يعجب منها الحرير و الوبر
ألقته عنها رقائقا و نضت
جسما تحامى نداءه القدر
في حانة ما علت بها عمد
و لا استوى في بنائها حجر
جدرانها الماء ، و السّملء لها
سقفة ، و النّسائم و السّتر
خمّارها منشد ، و سامرها
حور تلوّى ، و فتية سكروا
لم تبق في الشّطّ منهمو قدم
قد خوّضوا في العباب و انتثروا
و شيّعوا العقل حينما شربوا
و ودّعوا القلب حيثما نظروا
و السّابحات الحسان حولهمو
كأنهنّ النّجوم و الزّهر
يزيد سيقانهنّ من بهج
لون عجيب الرّواء مبتكر
يضيء وردا و خمرة و سنى
ذوب من المغريات معتصر
تغاير الموج إذ طلعن به
و ثار من حولهنّ يشتجر
بهنّ يلتفّ مرتقى و يرى
ينشق عنهنّ فيه منحدر
منفتلات قدودهنّ كما
ينفتل الغصن آده الثّمر
ملوّحات بأذرع عجب
تحذرهنّ النّهود و الشّعر
و الضّوء فوق الخصور منهمر
و الماء تحت الصّدور مستعر
مازلن و البحر في توثّبه
يرغي كما راع قلبه خطر
قد جاوز اللّيل نصفه فمتى
تؤمّ فيه أصدافها الدّرر
فليصخب البحر و لتئنّ به
رماله ، و ليثرثر الشّجر
و لتعصف الرّيح فوق مائجه
و لينبجس من غمامه المطر
أقسمن لا ينتحين شاطئه
و إن ترامى بمائه الشّرر
حتى يرى وهو فضّة ذهب
تمازج اللّيل فيه و السّحر !