فلسفة و خيال - علي محمود طه
نهزة أهدت الخيال إلينا
و دعتنا لموعد فالتقينا
ههنا تحت ظلّة الغابة الشّجـ
ـراء سرنا ، و الفجر يحنو علينا
و قطفنا من زهرها ، و انثنينا
فجنينا تفاحها بيدينا
و مرحنا بها سحابة يوم
و بأشجارها نقشنا اسمينا
***
ههنا يا ابنة البحيرات و الأو
دية الخضر و الرّبى و الجبال
صدح الحبّ يالنّشيد فلبييـ
ـنا نداء الهوىو صوت الخيال
وتبعنا على خطى الفجر موسيـ
ـقى من العشب و النّدى و الظّلال
و سمعنا حفيف أجنحة تهـ
ـفو بها الرّيح من كهوف اللّيالي
***
قلت لي و الحياء خدّيـ
ـك : أنار تمشي بها أم دماء ؟
ملء عينيك يا فتى الشّرق أحلا
م سكارى و صبوة و اشتهاء
و على ثغرك المشوق ابتسام
ضرّجته الأشواق و الأهواء
أو حقا دنياك زهر و خمر
و غوان فواتن و غناء ؟
***
قلت: يافتنة الصّبا حفلت دنـ
ـياك بالحبّ و المنى و الأغاني
ما أثارت حرارة الجسد المشـ
ـتاق إلاّ مرارة الحرمان
إنّ أجسادنا معابر أروا
ح إلى كلّ رائع فتّان
أنا أهوى روحيّة العالم المنـ
ـظور لكن بالجسم و الوجدان
***
ما تكون الحياة لو أنكر الأحـ
ـياء فيها طبائع الأشياء !
أنا أهواك كالفراشة صاغتـ
ـهازهور الثّرى و كفّ الضّياء
أنا أهواك فتنة صاغها المثّـ
ـال من طينة و من إغراء
أنا أهواك بدعة الخلد صيغت
من هوى آدو و حوّاء
***
أنا أهواك من أثام و طهر
حلم إغفاءتي و صحو غرامي
أنا أهواك تبدعين يقيني
من نسيج الظّنون و الأوهام
أنا أهواك دفء قلبي و ينبو
ع اشتهائي ، و شرّتي ، و عرامي
و حنانا مجسدا إن طواني الـ
ـلّيل و سّدت صدره آلامي
***
إنّني بالخيال أنتزع الرّقـ
ـة من قسوة الزّمان المرير
عجبا ! ما حقائق الكون إلاّ
لمحات الخيال و التّفكير
قبل أن تشرق النّجوم على الأر
ض أضاءت بذهن ربّ قدير
و تجلّت في حلمه بنظام
من بديع التّكوين و التّصوير
***
أطلقي نفسك السّجينة ملء الـ
ـغاب ، ملء الفضاء ، ملء العباب
و احلمي بالحياة من نغم الخلـ
ـد و خمر الهوى و زهر الشّباب
ههنا عشّنا على الشّاطئ المسـ
ـحور نبنيه من غصون الغاب
و نخطّ البستان أحلام طفل
صقلته مواهب الأرباب
***
خطرة ، ثمّ أطرقت في حياء
و أدارت في جانب الغاب عينا
و انثنت بابتسامة فدعتني
ثمّ قامت تمشي هناك الهوينا
و تلاقت عيوننا فتنادت
لي ، و جنّ الحنان في شفتينا
فاعتنقنا في قبلة قد أذابت
جسدينا ، و مازجت روحينا