يوم الملتقى - علي محمود طه

هذي سماؤك أنغام و أضواء
غنّاك داود أم حيذاك سيناء

أم النّبيّون قد أزجت سفئنهم
موعودة من ليالي النّيل قمراء

أم طالعتك من السّحر القديم رؤى
يشدو بهنّ الثّرى و الرّيح و الماء

أم جاء طيبة من أربابها نبأ
أم أنّ كهّانها بالوحي قد جاؤوا

أم سار عمرو بنور الفتح فائتلقت
به زبرجدة في الشطّ خضراء

ماجت خمائل بالبشرى و أدوية
فهن فاكهة تندى و صهباء

يا مصر ، ذلك يوم الملتقى ، و على
صباحه قدم الرّسل الأجلاّء

أسرت إليك بهم روح و عاطفة
و كم إليك بسرّ الرّوح إسراء

دعا فلبّوه ، صوت من عروبتهم
كم يلبّي هتاف الأمّ أبناء

لا بل أهاب بهم يوم صنائعه
من أمرها النّاس أموات و أحياء

إن لم تصن فيه أيديهم تراثهمو
فقد تبدّد ، و الأيام أنواء

طاحت بناصية الضّعفى ، و سخرها
كما يشاء الأشدّاء الألبّاء

أحرار دهر همو المستيقظون لها
و من عفوا فهمو الموتى الأرقاء

***

بنى العروبة دار الدّهر و اختلفت
عليكمو غير شتّى و أرزاء

مضى بضائقيها الأمس و انفسحت
أمام أعينكم للمجد أجواء

اليوم شيدوا كما شادت أبوتكم
شرقا دعائمه كالطّود شمّاء

دستوره وحدة مثلى ، و شرعته
بالحق ناطقة بالحبّ سمحاء

لكم بحاضركم من دهركم نهز
فيها لغابركم بعث و إحياء

شدّوا على العروة الوثقى سواعدكم
لا يصدعنّكمو بالخلف مشّاء

لم تنأ بغداد عن مصر ، و لا بعدت
لبنان، و المسجد الأقصى ، و شهباء

أيّ التّخوم تناءت بين أربعها
لها من الرّوح تقريب و إدناء

أرض عليها جرى تاريخنا ، و جرى
دم به كتب التّاريخ آباء

مبارك غرسه ، منه بأندلس
و القادسيّة ، و اليرموك أجناء

خوالد النّفح لم يذهب بنضرتها
حرّ ، و قرّ ، و إصباح ، و إمساء

إيه بني الشّرق ! فالأبصار شاخصة
لما تعدّون ، و الآذان إصغاء

يستطلع الشّرق مايجري به غده
يا شرق إنّ غدا هدم و إنشاء

بصيحة السّلم لا يأخذك إغراء
فللمطامع إغراء و إغواء

تفتّحت صحف الأيّام و انبعثت
أقلامها و صغت كتب و أنباء

و طأطأت أمم مقهورة ، و رنا
أنصار حقّ على الجلّى و أدّاء

مسّتهمو الحرب مسّ المرمضين بها
فما تشكو ، و لا شكّوا ، و لا راؤا

في عالم الغد ماذا قد لأعدّ لهم
و ما ترى أمم في الحرب غلباء

خطت مواثيق للإنسان و اشترعت
بناء دنيا لها الإحسان بنّاء

إنّي أخاف عليها أن تضيّعها
يد مبرّأة للسّلم بيضاء

في ساعة من خمار النّصر سامرها
لما جرى من عهود الأمس نسّاء

فقد شراعك لا تسلم أزّمته
لغير كفّك إنّ الرّيح هوجاء

يا شرق مجدك إن لم ترس صخرته
يداك أنت ، فقد أخلته أهواء

يا شرق حقّك إن لم تحم حوزته
صدور قومك لم تنقذ آراء

و الكون ملحمة كبرى جوانبها
دم ، و نار ، و إعصار ، و ظلماء

أكان عندك هذا الموت يصنعه
بكفّه آدم العاصي ، و حوّاء

من ذات أجنحة يخشى مسابحها
غول ، و نسر ، و تنّين ، و عنقاء

شأت خطاها بساط الرّيح و انطلقت
و الأرض من هولها سوداء حمراء

تعلو و تنقضّ و شك اللّمح صاعقة
يكاد منها يصيب النّجم إغماء

و زاحفات من الفولاذ قد صهرت
من ثقلهنّ لصدر الأرض أحناء

إن صعّدت فالجبال الشّم هاوية
أو عربت فالصّخور الصّم أشلاء

لم يخل من شرها ماء و يابسة
أو تنج من غدرها غاب و صحراء

يا شرق يومك لا تخطئ سوانحه
فليس تغفر بعد اليوم أخطاء

في عهدفاروق طاب الملتقى ، و على
جنّاته لقى القرب الأحبّاء

حمى العروبة أعراقا ، و مدّ لها
خصبا لها فيه إنبات و إزكاء

و باكرتها سماء من مآثره
فيها لكلّ صنيع منه لألاء

عباقر الشّرق هم آباؤه ، و همو
ملوكه الصّيد ، و الشّم الأعزاء

يا عصبة الوحدة الكبرى و عصمتها
هذي طوالعكم جلواء غرّاء

وددت لو شدّت بالأسماء شادية
بها ربوع حبيبات و أرجاء

و ما أسمّي فتى شتّى مناقبه
إنّ المناقب للفتيان أسماء

المصطفى و حواريّوه إن ذكروا
فالشّرق منهبة ، و الغرب أصداء

و كلكم عن حمى أوطانه بطل
مستقتل قرشيّ الرّوح فداء

بالله إن جئتمو الوادي و ناسمكم
ثراه ، فهو أزاهير و أنداء

و طاف بالذكريات الأمس و استبقت
بالدّمع عين ، و بالأشواق حوباء

فاقضوا حقوق إخاء تستخير به
أخت لكم في صراع الدّهر عزلاء

طعامها من فتات العيش مسغبة
و ريّها منه إيلام و إشقاء

أحلّها ذهب الشّاري ، و حرّمها
عصر به حرّر القوم الأذلاء

حربان أثخنتاها أدمعا و دما
تنزو بها مهجة كلمى و أحشاء

هذي فلسطين أو هذي روايتها
ماذا تقولون إن لم يحسم الدّاء

تطلّعت لكمو و لهى أليس لها
على يديكم من العلات إبراء ؟

حملتمو العهد فيها أبوّتكم
إنّ البنين لحمل العهد أكفاء