لقاء و دعاء - علي محمود طه
لقاؤكما قد كان حلم زماني
و عهدكما للشّرق فجر أماني
و لا عهد إلاّ للعروبة و العلى
لقلبين في كفّين يعتنقان
تحدّثني عيني ، و قد سرتما معا
حبيبان سارا ، أم هما أخوان !
و يسألني قلبي ، و قد لاح موكب
من الأحمر اللجيّ أشرق داني
على ملكي من شراع و لجّة
تطامن في صفو له و أمان
تناسمه بين العشّيات و الضّحى
سرائر من أرض الحجاز حواني
و أفئدة من أرض مصر مشوقة
شواخص في الثّغر المشوق رواني
إلى افق فيه من الرّوح هزّة
و فيه من الوحي القديم معاني
أتسأل يا قلبي و أنت بجانبي ؟
و كيف ؟ ألم تعلم من الخفقان
و أنت الذي تصغي ، و أنت الذي ترى
و تنطق منّي خاطري و لساني
و منك الذي أوحى إليّ فهزّني
و فجّر شعري من سماء بياني
أنال جلال اليوم منك ، فخلته
رؤى يقظة ؟ بل ذاك رأي عيان
هو الملك فاروق في موقف الهدى
تسير إليه الفلك دون عنان
يؤم بها ربّ الجزيرة مصره
و ما هي إلاّ فرحة و أغاني
هما عاهلا الشّرق العريق و ركنه
هما حصنه الواقي من الحدثان
هما الحبّ و الإيمان و المجد و النّدى
تمثّل في آياتها ملكان !
***
سلاما طويل العمر مصر تبثّه
بأعذاب ما رفّت به شفتان
و للنّيل أمواج يثبن صبابة
بأفراح دور فوقه و مغاني
تجلّى طرازا في لقائك مفردا
رفارف خضرا في ظلال الجنان
يحيّ بك الشّعب الحجازيّ شعبه
و فيك يحيّ القبلة الهرمان
تساءل فيهاالصّحبان و قد بدت
مخاضرها من لؤلؤ و جمان
و آفاقها مكّية النّور و الشّذى
يضئن بأقمار بهنّ حسان
جلاها المساء القاهريّ صباحة
تغاير في لألائها القمران
سعودية الإشراق تزهى بنورها
مطالع فاروقية اللّمعان
أفي مصر ؟ أم بطحاء مكة يومنا ؟
هنا وطن أم ههنا وطنان
و تلك قطوف النّيل دانية الجنى
أم أنّ قطوفا للرياض دواني
هوى لك يا عبد العزيز أصارها
و ما اختلفت في صورة و مكان
و أنت أخو الفاروق دارك داره
على الرّحب ، و الدّاران تلتقيان
فإن تذكر الأوطان و الأهل عندها
فما مصر إلاّ موطن لك ثاني
و ما هي إلاّ أمّة عربيّة
موحّدة في فكرة و لسان
أينصت لي الضّيف العظيم هنيهة
و يسمع لي الفاروق صوت جناني ؟
يقولون نار الحرب في الغرب اخمدت
فمالي أرى الشرق سحب و دخان !
مشت بالشّتاء الجهم فوق تخومه
برعد حسام و التماع سنان
بإيران صيحات ، و في الشّام ضجة
و في القدس جمر موشك الثّوران
و في السّاحل الغربيّ من آل طارق
جريحا إباء في دم غرقان
طماعية فيه زالت قناعها
و ما سترت وجها لها ببنان
رمت عن يد قفّازها و تحفّزت
مخالب ضار أو براثن جاني
فإن قيل هذا مجلس الأمن فاسألوا
علام تضجّ الأرض بالشّنآن
و فيم دعاة السّلم طال حديثهم
على غير معنى من رضى و أمان
و أبهم حتى بان كاظّلّ طامسا
و داور حتى راغ في الدّوران
أرى اليوم مثل الأمس صورة غاصب
و إن حوّرت في صبغة و دهان
***
إليكم ملوك الشّرق كم عن مقالة
ثنائي حيائي و الوفاء دعاني
أشدت بما شدت فرادى ، و كلكم
يفاخر جيل بالذي هو باني
أناشدكم و الشّرق بين مطامع
تهدده في حوزة و كيان
فهلاّ جمعتم أمره و استعنتمو
بكلّ فتى بالطيّبات معان
أرى حلفاء الأمس لم يحلفوا به
و ما زال من خلف الوعود يعاني
و ما قرّ في ظلّ السلام بحقّه
و لا فاز من حرّية بضمان
و تلك أمانيه على عتبايهم
مطرّحة في ذلّة و هوان
أنقنع من حقّ و جامعة له
بجمع يدير الراي حول خوان ؟
و ليس لها من قوّة غير ألسن
و أقلام كتّاب و سحر بيان
و ماذا يفيد الرأي لا سيف عنده
و ماذا يصيب القول يوم طعان
على البأس فابنو ركنها و تأهّبوا
بمستقتل من حولها متفاني
تلاقي بها رايات كلّ شعوبه
و أسيافهم من صلبة ولدان
كأمواج بحر زاخر متلاطم
ينابيعه شتّى ذرى ورعان
ضمنت بكم مجد العروبة خالدا
على كرّ دهر و اختلاف زمان