من الأعماق - علي محمود طه

حيّتك في الشرق آمال و أحلام
و قبّلتك جراحات و آلام

و استقبلتك على الوادي و ضفّته
عروبة وثبت فرحى و إسلام

و حقبة من جهاد أشرقت و هفت
بها ليال من الذّكرى ة أيّام

تعانق العائد المنفيّ في بلد
حماه للحرّ إعزاز و إكرام

ديار فاروق من يلجأ لساحتها
فقد حمته من الأحداث آجام

يطيب للعربيّ المستجير بها
معاشه و يرقّ الماء و الجام

و يحطم القلم العاني بحومتها
أصفاده ، و يفكّ القيد ضرغام

يا أيّها البطل الصّنديد جئت بما
تحدثت عنه أدهار و أقوام

هزّت فلسطين أنباء يطير بها
برق على جنبات الليل بسّام

عادت لها ذكريات الأمس و انبعثت
بها صحائف من نور و أقلام

و أنفس قرشيّات يطرّبها
صوت يرنّ به رمح و صمصام

نصّت على اللّيل آذانا تغازلها
من صوتك الجهوريّ العذب أنغام

قد أقسمت لا ينال الّدار مغتصب
حتّى و إن شرقت بالنار أعلام

في الله ، في الحقّ ، في الإسلام كلّ دم
يسيل فيها ، و جرح ليس يلتام

ظنّوك أقصيت عنها فهي نائمة
و كيف ! هل في ربوع القدس نوّام !

و تلك أطماعهم في كلّ ناحية
ألسيف منهنّ فوق الخلق قوّام

قالوا غدرت و لم أفهم لمنطقهم
حكما و لكنّما للقوم أحكام

أفي دفاعك عن أهل و عن وطن
غدر ؟ إذن فجهاد الظّلم إجرام !

قالوا هو الحقّ ما نسعى لنصرته
يا بؤسه كم هوان أهله سامو

يا شرق يا شرق لا تخدعك دعوتهم
و اقبض يدا ، فحديث الحقّ أوهام

أكان غير عيون الزّيت دافقة
من قلبك الغضّ يجريهنّ سجّام

و كان غير أنابيب يحوط بها
ضلوع صدرك قهّار و ظلاّم

قد قسّموك مطارات و ما عملوا
إلاّ لحرب لها في الكون إضرام

أكنت غير الفدى في غير تضحية
إن هم عليك بسرب للرّدى حاموا

يا شرق سل بالحسينيّ الذي صنعوا
واسمع لحفّك ، لا يخدعك هدّام

سلهم عن الشّرف الموعود كم غدروا
به ؟ كم اجترحت في السّلم آثام

و أنت أيّها الفادي عروبته
إسلم فديتك ، لا غبن و لا ذام

جهادك الحقّ مظلوما و مغتربا
و حي لكلّ فتى حرّ و إلهام