طارق بن زياد في طريقه إلى الأندلس - علي محمود طه

أشباح جنّ فوق صدر الماء
تهفو بأجنحة من الظّلماء ؟

أم تلك عقبان السّماء وثبن من
قنن الجبال على الخضمّ النّائي ؟

لا، بل سفين لحن تحت لواء
لمن السّفين ترى و أيّ لواء ؟

و من الفتى الجبّار تحت شراعها
متربّصا بالموج و الأنواء

يعلي بقبضته حمائل سيفه
و يضمّ تحت اللّيل فضل رداء

و ينيل ضوء النّجم عالي جبهة
من وسم إفريقية السّمراء

ذهب ببوتقة السّنى من ذوبه
مسحت محيّاه يد الصحراء

جلت فيه الصحارى سحرها
تحت النّجوم الغرّ و الأنداء

و سما بحر ما تطامن موجه
من قبل لابن الواحة العذراء

بحر أساطير الخيال شطوطه
و مسابح الإلهام و الإيحاء

و مدائن سحريّة شارفنه
بنخيلها و ضفافها الخضراء

و معابد شمّ ، و آلهة على
سفن ذواهب بينهنّ جوائي

أبطال يونان على أمواجه
من قبل لابن الواحة العذراء

يتجاذبون الغار تحت سمائه
يتناشدون ملاحم الشّعراء

ما زال يرمي الرّوم و هو سليلهم
و يديل من قرطاجة العصماء

حتّى طلعت به فكنت حديثه
عجبا ! و أيّ عجائب الأنباء

و يسائلون بك البروق لوامعا
و الموج في الإزباد و الإغراء

من علّم البدوي نشر شراعها !
و هداه للإبحار و الإرساء !

أين القفار من البحار و أين من
جنّ الجبال عرائس الدّأماء ؟

يا ابن القباب الحمر ويحك ! من رمى
بك فوق هذي اللّجة الزّرقاء

تغزو بعينيك الفضاء و خلفه
أفق من الأحلام و الأضواء

جزر منوّرة الثّغور كأنّها
قطرات ضوء حفاف إناء

و الشّرق من بعد حقيقة عالم
و الغرب من قرب خيالة رائي

ضحكت بصفحته المنى و تراقصت
أطياف هذي الجنّة الخضراء

و وثبت فوقها صخورها و تلمّست
كفّاك قلبا ثائر الأهواء

فكأنّما لك في ذراها موعد
ضربته أندلسيّة للقاء !

ووقفت و الفتيان حولك ، و انبرت
لك صيحة مرهوبة الأصداء:

هذي جزيرة إن جهلتم أمرها
أنتم بها رهط من الغرباء

البحر خلفي و العدو إزائي
ضاع الطّريق إلى السّفين ورائي !!

... و تلفّتوا فإذا الخصمّ سحابة
حمراء مطبقة على الأرجاء

قد أحرق الرّبان كلّ سفينة
من خلفه إلاّ شراع رجاء

ألقى عليه الفجر خيط أشعة
بيضاء فوق الصّخرة الشّمّاء

و أتى النّهار و سار فيه طارق
يبني لملك الشّرق أيّ بناء

حتى إذا عبرت ليال طوّفت
أحلامه بالبحر ذات مساء

يرعى على الأفق المرصّع قرية
أعظم بها للغزو من ميناء

مدّ المساء على خلجانها
ظلاّ ، فنامت فوق صدر الماء !