غربة وغبار - إبراهيم محمد إبراهيم

وهُنالكَ،
حيثُ يلوذُ القلبُ بذكراهُ الأولى ..
باللَّهْفَةِ للقافِيةِ البِكْرِ ،
وبالجذعِ الشّامِخِ في الصَّحْراءْ.
تحتَ سماءٍ،
تحْجِبُها أشجارُ الثَّلْجِ
تَوَسَّدْتُ الوَحْشَةَ
بين النارِ وبين الماءْ.
تغفو عينايَ على جِذْعٍ
في الغُرْبَةِ لا يَعْرِفُني،
ويباغِتُني الصَّمْتُ بصوتٍ،
يهتفُ في أُذُنَيَّ تَأَخَّرْتَ كثيراً ..
عبثاً هذا القلبُ
يطاردُ حبّةَ رملٍ
تحملها الرّيحُ
وقد غابَ السّاحِلُ والميناءْ.
يا وطناً
غيّبهُ البحرُ وراء البحرِ
أراك بقلبيَ طِفْلاً ..
يحملُ في كفَّيْهِ الشَّمْسَ
وأُماًّ ،
في زاويةِ البابِ تُوَدِّعُني.
وقصيدةَ شِعْرٍ
سطَّرَها الدّربُ على زُوّادَةِ دَرْبي.
ياوطناً ،
غَيَّبَهُ البحرُ وراء البحرِ
أراك بقلبي.
تنفضُ عن كَتِفَيَّ غُبارَ الغُربةِ،
تَنْضَحَ ماءَ الوردِ على وجهي،
وتُخَضِّبُ رأسيَ بالحِنّاءْ.
وطني،
يا أفصحَ ملحمةٍ خرساءْ.
وطني،
يا أصدقَ لحنٍ في الكونِ
ويا أعذبَ ماءْ.
يانخلةَ مريمْ
ياقبرَ ابنِ العاصْ
يابحرَ عمانْ
ياجبلَ الطورِ ويابغدادَ وياصنعاءْ.
حسبي في هذا العرسِ الشّوقْ.
ماجئتُ لكي أشربَ نخبَ الوهمِ،
فقد آثرتُ الغُربةَ
حتى يوصلَ هذا الطّوقْ.
حتى تنطلقَ الناقةُ من مَعْقِلِها
تطوي الأرضَ
مُحَمَّلةً بِلبانِ ظَفارْ.
وتعودُ تُفتِّشُ عن ذاك الرّقَمِ الساقِطِ فينا
لتُعيدَ القيمةَ للأصفارْ.
منذ سنينَ ،
وخيمتُنا مطفأةُ العينينِ
على دربِ وبارْ.
غارقةٌ في الصّمتِ الأعجمْ.
مبهمةٌ كالقَدَرِ المُبهمْ.
شامخةٌ في غاربِ سفحٍ ينهارْ.
ياسوقَ عُمانَ
لقد نَفَقَتْ قافِلَةُ التُّجَّارْ.
ياأهلَ عُمانَ لقد طَلَعَ الفَجْرُ
ولم نَشْتَمَّ دُخانَ السَّمْرْ
من أَطْفَأَ تلكَ النّارْ ؟
من جاءَ بأصنامِ قريشَ
إلى هذا السّاحِلْ ؟
من ساقَ إليها النّخلَ قرابينَ
لكي يُنْحَرَ فَجْراً
بخناجِرِ أهلِ الرّدّةْ ؟
من خَصَّ ابنَ الهيجاءِ بنيشانِ النَّصْرِ
لموقعةٍ لم تولدْ بعدُ
تُسَمّى طُنْبُ الكُبْرى ؟
من عَلَّمَ بُطْرُسَ هذا
فنّ القرصنةِ الدّوليةْ ؟
ليحاصرَ قافلةَ ابنِ عميرٍ
خلفَ متاريسِ الصّومال.
أذِّن في هذا البحرِ الرّاكِدِ
يامُصْعبُ
أن الحربَ صليبِيّةْ.
وجياعُ القرنِ الأفريقيِّ
تُدَجَّنُ تحتَ مخالبِ كلبِ الرّومْ.
أذِّن يا مُصْعَبُ،
علَّ البَحرَ الرّاكِدَ هذا يَغضبُ
أوْ ينتفضَ النَّهْرُ
هنالِكَ في الخُرطومْ.