أحاديث الفناء - محمد سيد عمار

أعيديها
بلا خوفٍ
أعيدي قصة الأمسِ
بلا نقصٍ بلا زيفِ
أعيديها على أسماع أطفالي
ولا تنسى
فقد أكلت نيوب القبر ذاكرتي
فكوني أنت ذاكرتي
ولا تمحى تفاصيلي ولا دميَ الذي غطى
سلاحاً كنت أحمله على كتفي
سيروى قصتي دوماً لمن ولدوا
على أقدام جلادي
أعيديها
وقولي إننا كانت لنا دارٌ تجمّعنا
بنيناها على تلٍ من المرجان والعنبرْ
لها سورُ من النخل وتمرٌ طعمه يسكرْ
ونهرٌ تحتها يجرى ويرتع فوقه القنبرْ
وخيلٌ تحمل الأطفال في الوادي
ومن يأتِ على عجلٍ نقبّله ويربح قطعة السكرْ
وفي يومٍ وكانت ضحكة الأطفال عاليةً
تهاوى البيتُ والنخل وجف النهر
وانتفضت كقلبي قطعة السكرْ
على أقدام من جاءوا من العسكرْ
أعيديها
وقولي إننا كانت لنا أرضٌ
ورثناها عن الأجداد منذ بداية الخلق
ومنذ خطيئة الإنسان
زرعناها بكل براءة الدنيا
وكل براعة الألوانْ
نباكرها فتلقانا وقد فردت ضفائرها
كدرب ماله آخر
يعانق خطونا دوماً
ويمسح عن مآقينا بقايا الخوف والأحزانْ
عرفنا أول الخطوات فوق ترابها الحاني
حرثناها ، رويناها ، شربناها ، طعمناها ، عشقناها
لعبنا في سواقيها ، لثمناها ، شممناها
توارى العطر في دمنا
فصرنا قطعةً منها ، وصارت قطعةً فينا
وفي يومٍ تسلل عطرها منا وضلت ربها الغائبْ
فصارت أرضنا شيئاً بلا صاحبْ
أعيديها
وقولي إننا عشنا على أرضٍ
رسمناها ليصبح وجهها وطناً
من الأحباب والجيران والأهلِ
ننام بحضنه ليلاً فيحرسنا
ويغمر وجهنا دوماً بماء الورد والقبلِ
ونذكره إذا اجتزنا روابيهِ
وأغرتنا مظالمه وضيقُ العيش بالسفرِ
فيرسلُ قلبه ريحاً لتجمعنا
وتمسح أدمعاً سالت من المقلِ
وفي يومٍ وقد عدنا
وجدنا الجند قد فضوا بكارة ذلك الوطنِ
وباتت أمتي تبكى على الطللِ
أعيديها
على أسماع أطفالي
إذا أغراكم دمعٌ على قبري
وقالت طفلتي الصغرى : أيرقد ها هنا أبتي ؟
متى يصحو ؟
متى يأتي ليحملني ويرفعني لأمسك أفرع الشجرِ ؟
ويأتيني بألوان من الحلوى من الثمرِ
أجيبيها
بأن الأرض ما عادت هي الأرضُ
وكيف سيأكل الأطفال من ثمر يسمم طعمه الجندُ ؟
وكيف سيلعب الأطفال في وطنٍ
يدنس عرضه الجند ُ ؟
ويقتل حلمه الجندُ
ويسلب أمنه الجندُ
وكيف سيرحل الجندُ
وهذى الأرض ما عادت لها جندُ !!