يا أمَّ خالد - عبدالرزاق عبدالواحد

لا.. لا تُلحّي في سؤالي
هي بعضُ أوجاعِ الليالي

هي بعضُ ما تركتْ صرو
فُ الدهر زاداً في رحالي

تَعِبٌ سُراي، غريبةٌ
روحي، مقطَّعةٌ حبالي

مستوحِشٌ حَدَّ البكاء
مهَدهَدٌ حَدَّ الكلالِ

وأنا ودربُ العمر..
أوجَعُهُ بُعَيدَ الأكتهالِ!

لا.. لا تقولي ما تزال
فكلُّ شيء للزَّوالِ

العمرُ يسعى للمُحاق
فما حَديثُكِ عن هلالي؟!

أم تَجبُرينَ مواجعي
وتُستِّرين على هُزالي؟

أرأيتِ في السِّتّين أو
في نحوِها قمراً يُلالي؟!

يا أمَّ خالدَ ما يكون الـ
عمرُ..؟ .. أعواماً نُغالي

بحسابها..؟ .. تَفنى السّنين
وإن تكنْ عَدَدَ الرِّمالِ

ليس الرجالُ العمر
الأعمارُ تُحسَبُ بالرجالِ!

كم خالدين جَرَتْ بهم
أعمارُهم بخُطىً عِجالِ

بَينا يُغطّي الأرض
أمواتٌ بأعمارٍ طوالِ!

*

يا أمَّ خالد حَسْبُنا
أنَّا غَوالينا غَوالي

إن أرخصَتْ منّا الحياة
فلم نَزَلْ مثلَ اللآلي

بِيضاً ضمائرُنا، كريماً
صبرُنا في كلِّ حالِ

يا أمَّ خالد والحياةُ
من انتقالٍ لانتقالٍ

ما بين مَشرقِها ومَغربِها
سوَى لَمحِ الخيالِ

ونظلُّ نرقبُها تسيرُ
بعُمرنا نحوَ الذُّبالِ

لا نحن نسألُها ولا
هي باستغاثَتِنا تُبالي

*

يا أمَّ خالد كم عَبَرنا
كم عثَرنا في مَجالِ؟

كم نالَ منّا الدَّهرُ، لم
يَزِنِ الحرامَ من الحلالِ؟

حتى إذا ما عافَنَا
بقيَتْ كريماتُ الخصالِ

لم تلتفتْ إلاّ إلى
وقع النِّبالِ على النِّبالِ!

*

يا أمَّ خالد أجمِلي
وضَعي مكابَرتي قبالي

وتلَطَّفي بمواجعي
وترفَّقي بي لا تُغالي

فأنا غريبٌ، مُطفأٌ
جمري، مؤجَّلَةٌ دِلالي

لا العمُّ عمّي إن نَدَبتُ
ولا عزيزُ الخال خالي

لا تعتبي.. أدري بأنّي
موجَعٌ حَدَّ النِّكالِ

أدري بأنّي زاخرٌ
جرحي.. مكسَّرةٌ نصالي

مستفرَدٌ، ونيوبُ خيبا
تي بأجمعها حيالي

أدري بأنَّ العمرَ مَشد
ودٌ بأنوالٍ ثقالِ

وبأنّني سعيَ الغيو
مِ الهُوجِ تسعى بي جِمالي

وهَوادِجي، ورِحالُهنَّ
من الأسى ثقلَ الجبالِ

لكنّني سأظلُّ أحملُ
قدْرَ ما يَسَعُ احتمالي

سأظلُّ رغمَ هجيرةِ الـ
ستّين وارفةً ظلالي

ومليئةً بالحبِّ للـ
دنيا بأجمعها سلالي

يا أمَّ خالد لا تقولي
قد كبرتَ على الجدالِ

واللهِ لولا حرمةُ الـ
ستّين والذّممِ الخَوالي

ومواقفٍ .. اللهُ يعلمُها
وتعلمُها المعالي

كنّا بها في القلبِ حيثُ
تدورُ دائرةُ القتالِ

ِ

ما كنتُ أعتبُ أمَّ خالد
إنَّ عَتْبَ الحرِّ غالي

يا أمَّ خالد حِبرُنا
لمّا يزَلْ ألِقاً يُلالي

ما جفَّ بَعدُ على السطورِ
ولا محَتْ منه الليالي

ودماؤنا مِ القادسيَّةِ
وهي تأنفُ أن تُمالي

للآن يزهو جرحُنا
أن لا يَفيءَ للاندمالِ

وأقول صوتي لم يزلْ
بمنابرِ الأيامِ عالي

وأقولُ لي خمسون عاماً
هنَّ من غُررِ النِّضالِ

خمسون عاماً ما سَهَتْ
فيها يميني عن شمالي

وقصائدي، خمسون عاماً
وهي حاديةُ الرجالِ

لم أغفُ يوماً والعراقُ
مُعرَّضٌ للاغتيالِ

وأقول.. كم وأقول .. كم
أوهمتُ نفسي بانفعالي؟

وإذا بنا يا أمَّ خالد
سائرين على ضلالِ

صرنا بلمحِ العين
يَشتُمنا الذين بهم نُغالي!

صرنا نُغَيَّرُ أنَّنا
قَدْرَ استفادتِنا نُوالي!

وبأنَّ لي بيتاً يضمُّ
وبعدَ ستّينٍ عيالي!

لا بأس، نبقى أمَّ خالد
بين حِلٍّ وارتحالِ

تعلو بنا الدنيا على
حالٍ ، وتُنزِلُنا بحالِ

لكنْ يُعذّبُنا، على
ذاك النّزيفِ والاشتعالِ

أنّا على الستّين صرنا
لا نؤول إلى مآلِ!

وكأنَّنا غرَباءُ حتى
عن مَرابعنا الخَوالي!

ويظلُّ قلبي للعراق
عروقُهُ مثل الدَّوالي

متعلِّقاتٌ بالنَّخيلِ
وسعفِهِ حَدَّ الخَبالِ

ويظلُّ نجمٌ في العراق
يضيءُ لي حلَكَ الليالي

لو ألفُ شمسٍ أُسرجَتْ
عجزَتْ لديهِ أن تُلالي

يبدو فيملأُ جانحَيَّ
بهالتَينِ من الجلالِ

مِ الحبِّ واحدةٌ
وواحدةٌٍ لفرط الاكتمالِ!

الله.. كم نهوى، وكم
نشكو هوانا وهو سالي

لا .. لا تُلحّي في سؤالي!