أحاديث خاصة ليست للنشر - عدنان الصائغ

إلى مدني صالح
تحدّثني النفسُ.. أني سأتلفُ عمري الطويلَ العريضَ.. على كتبٍ، ونساءٍ، وحاناتِ حزنٍ، وصحبٍ يمرّون مثلَ السحاب..
تحدّثني النفسُ – يا ويلتي – من حديثِ اللعينةِ، تلك التي
تقودُ خطاي الضليلةَ..
نحو الغوايةِ والمشتهى..
فإنْ مرَّ عشرونَ عاماً من النثرِ، والجمرِ، والسفرِ البكْرِ، هذا الضياع المهذّب خلف خطى الفتياتِ.. وخلف دخانِ المكاتبِ، والشعرِ… أوقفني ندمٌ نازفٌ في الضلوعِ:
أهذا إذن كلّ ما قدْ حصدتَ من العمرِ… يا صاحبي
وأسمعُ تقريعها قاسياً، شاحباً
وهي تحصي أمام المرايا.. تجاعيدَ وجهي،
وأسناني الساقطة!
*
تحدثني النفسُ – في بوحِها – عكسَ ما قدْ يطيبُ لصحبي الحديثُ المثرّثرُ عن أيِّ شيءٍ سوى جمرةِ النفسِ، تلك الخبيئة، خلفَ رمادِ التذكّرِ، واللغةِ المنتقاةِ…
ولكنني حين أنبشُ في موقدِ القلبِ.. عن خصلةٍ تركتها امرأة…
وعن دفترٍ مدرسيٍّ نزفتُ به أولَ الكلماتْ
وعن نخلتين،… وأرجوحةٍ لاصطيادِ القمرْ
سأبصرها في ليالي العذابْ
تقاسمني غرفتي، والكتابْ
وكعادتها، في الحديثِ الطويلِ أمام وجومي…
ستجلسُ فوق سريري
وتسألني في اضطرابْ
عن مواعيدَ خائبةٍ…
ووجوهِ نساءٍ نسيتُ – بوسطِ الزحامِ – ملامحَها
وعناوينَ في صحفٍ قذفتها المطابعُ
عن آخرِ الأصدقاءِ
وعن………
… بوحِ نفسي
وللنفسِ، هذا الحديثُ الفضوليُّ…
لائحةُ اللومِ حين تقدّمها…
– مثلما عوّدتني بكلِّ مساءٍ – كفاتورةٍ للحسابْ
ثم تسبقني في الهواجسِ
تسبقني في التخيّلِ، والمفرداتِ، الغواياتِ،
هذا الطريق الطويل إلى آخرِ العمرِ…، والذكرياتِ
وماذا تبقّى من العمرِ… يا صاحبي؟!
حفنةٌ من سنينٍ، وكدسٌ من الكتبِ المنتقاةِ، ستحشو بها رأسَكَ الفوضويَّ… وتمضي تثرثرُ… في الجلساتِ، وفي الندواتِ: عن الشعرِ، والموضةِ الألسنيةِ والنقدِ في حلباتِ الجرائدِ…
حتى إذا مرَّ عشرون عاماً… وعشرون أخرى
وقلّبتَ بين يديك دواوينَكَ الخمسةَ، النائماتِ على الرفِّ…
تلك التي استنـزفتكَ السنينَ الجميلاتِ، والحلمَ…
يا صاحبي
سيوقفني ندمٌ قاتلٌ في الحنايا…
وأسمعُ تقريعَها هادئاً، هازئاً
وهي تحصي أمام المرايا، حرائقَ رأسي المشوبِ بأحلامهِ البيضِ، والصلعةِ الناصعة
- أهذا الذي… كلّ ما قدْ جنيتَ من العمر…
يا صاحبي!؟